مجتمع

20 تحت الصفر.. عندما سجّلت باتنة أدنى درجة في تاريخ الجزائر

تطرف مناخي خطير عاشته عاصمة "الأوراس" في جانفي 1945

تتزين جبال باتنة والأوراس هذه الأيام بثلوج أعادت إليها الحياة مرة أخرى وأعادت معها ذكريات كثيرة حول أيام قاسية عاشها أبناء المنطقة قبل عشريات خلت، ورغم وصف الفرنسيين لباتنة على أنها مدينة بمناخ معتدل مثلما جاء في مقال لصحيفة “La Riposte” شهر أفريل لسنة 1892، حيث كتبت: “سيخبرونك أيضا أن باتنة هي المدينة الأكثر صحية من معظم المدن الأخرى في الجزائر بسبب مناخها المعتدل”، إلا أن ذلك لا يمنع بتاتا من تأكيد معاناة أبنائها الذين كان معظمهم في الجبال والقرى المُحيطة من قسوة المناخ وقلة الإمكانيات، ورغم أن مناخ باتنة يندرج عموما ضمن مناخ الهضاب العليا في الجزائر والذي يوصف بأنه شبه جاف ويتضمن شتاءً باردا وبدرجات حرارة تصل إلى ما تحت الصفر، إلا أن تواجد المدينة في حوض يُحيط به الجبال جعلها مكانا قابلا للتطرف الجوي شتاءً على وجه الخصوص، وهو ما حدث يوم 4 جانفي 1945 حين سجلت المدينة أدنى درجة حرارة في تاريخ الجزائر الحديث والمُسجل حتما، بـ 20 درجة تحت الصفر.

ولأن متوسط درجة الحرارة المنخفضة في مدينة باتنة شهر جانفي هو 0 درجة مئوية في الصباح وتصل أحيانا إلى أقل من 2 إلى 3 درجات تحت الصفر، فإن ما حدث في جانفي 1945 يُمثل انحرافا كبيرا جدا ومن غير المستبعد أن يكون قد جر وراءه خسائر بشرية في مناطق معينة، وتقع مدينة باتنة على علو 1058 مترا، لكنها بالرغم من ذلك تتواجد داخل حوض محاط بالجبال، ما يجعلها في الشتاء “حفرة باردة” بسبب ركود الهواء البارد على مستوى سطح الأرض في ظاهرة تُعرف بالانقلاب الحراري، وبسبب وصول تيار هوائي بارد جدا في بداية عام 1945 فإن باتنة كانت عُرضة لتطرف مُناخي غير مسبوق في الجزائر، بل ولم يحدث مثله لاحقا حتى اليوم، وتؤكد الملاحظات الرسمية لدرجات الحرارية أن جانفي تلك السنة كان باردا جدا بأكمله وأن ذلك التطرف المناخي ليس حكرا على يوم 4 جانفي التاريخي، حيث بلغ متوسط درجات الحرارة صباحا 5 درجات تحت الصفر طيلة الشهر، أي بفارق 5 درجات كاملة عن المتوسط المعتاد.

ورغم أن عمليات الرصد الجوي لم تكن متطورة مثل تلك الموجودة اليوم، إلا أن “معهد الأرصاد الجوية والفيزياء التابع لجامعة الجزائر” يُشير إلى هذا الحدث التاريخي مناخيا والذي تسبب في إغراق المنطقة في ظروف شتوية نادرة الحدوث، خاصة وأن الأمر يتعلق بوسط مدينة باتنة وليس بمختلف قممها الجبلية التي تشهد درجات حرارة منخفضة أقل من المتوسط المذكور في المدينة، نظرا لعلوها الكبير وأيضا الثلوج التي تُزين قممها في الشتاء كما هو الحال اليوم، ويُشير هذا الرقم رغم كونه مُتطرفا ونادر الحدوث إلى قسوة المناخ شتاءً في جبال “آوراس” التي تُعتبر من أعلى المناطق في الجزائر، بل أعلاها على الإطلاق في شمال البلد، وبعد مرور 85 عاما بالتقريب على هذا الحدث، لا يزال تسجيل درجة حرارة 20 تحت الصفر في مدينة “Baitnah” مثلما يذكرها الرحالة الإنجليزي توماس شاو، أمرا يثير الدهشة ويبعث على تساؤلات كثيرة حول الظواهر المناخية المتطرفة في منطقة آوراس، أما ما يُمكن اعتباره مؤسفا اليوم هو عدم تسجيل الإعلام الجزائري قبل سنوات لشهادات من كانوا حاضرين يومها بهذه المدينة، لتوثيق الحدث بشكل وصفي أكبر ومعرفة كل الظروف التي كانت محيطة بالسكان وجانبهم المعيشي أثناء انخفاض درجة الحرارة بشكل غير مسبوق.

م. بلقاسم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.