
وإنه لتذكرة للمتقين
قال تعالى: ” بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ”. سورة التوبة الآيتين 1 ـ 2
أول هذه سورة التوبة نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك، وبعث أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه أميرا على الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم، ويعلم المشركين أن لا يحجوا بعد عامهم هذا، وأن ينادي في الناس: { براءة من اللّه ورسوله} ، فلما قفل أتبعه بعلي ابن أبي طالب ليكون مبلغا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كما سيأتي بيانه.
فقوله تعالى { براءة من اللّه ورسوله} أي هذه براءة أي تبرؤ من اللّه ورسوله { إلى الذين عاهدتم من المشركين، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} اختلف المفسرون ههنا اختلافا كثيرا فقال قائلون: هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة، أو من له عهد دون أربعة أشهر فيكمل له أربعة أشهر، فأما من كان له عهد مؤقت فأجله إلى مدته مهما كان، لقوله تعالى: { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} الآية، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته، وهذا أحسن الأقوال وأقواها، وقد اختاره ابن جرير رحمه اللّه وقال ابن عباس: حدَّ اللّه للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر، يسيحون في الأرض حيث شاءوا، وأجلَّ أجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم، فأمر اللّه نبيه إذا انسلخ المحرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهد، بقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام، وأمر بمن كان له عهد إذا انسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر أن يضع فيهم السيف أيضا حتى يدخلوا في الإسلام.
وقال مجاهد: { براءة من اللّه ورسوله} إلى أهل العهد خزاعة ومدلج، ومن كان له عهد أو غيرهم، فقفل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من تبوك حين فرغ، فأراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الحج ثم قال: (إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك)، فأرسل أبا بكر وعليا رضي اللّه عنهما في ذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها وبالمواسم كلها، فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمنوا أربعة أشهر، فهي الأشهر المتواليات عشرون من ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم، وآذن الناس كلهم بالقتال إلا أن يؤمنوا.