
وإنه لتذكرة للمتقين
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} سورة الرعد الآية 31
يقول تعالى مادحا للقرآن الذي أنزله على محمد صلى اللّه عليه وسلم ومفضلا له على سائر الكتب المنزلة قبله: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال} أي لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها، أو تقطع به الأرض وتنشق أو تكلم به الموتى في قبورها، لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره، أو بطريق الأولى أن يكون كذلك، لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنسان والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله ولا بسورة من مثله، ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به جاحدون له.
{بل للّه الأمر جميعا} أي مرجع الأمور كلها إلى اللّه عزَّ وجلَّ ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وقد يطلق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة لأنه مشتق من الجمع، وفي الحديث الصحيح، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: “خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدابته أن تسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه) “”أخرجه البخاري وأحمد عن أبي هريرة””، والمراد بالقرآن هو الزبور، وقوله: {أفلم ييأس الذين آمنوا} أي من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو يتبينوا {أن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا} فإنه ليس ثمّ حجة ولا معجزة، أبلغ ولا أنجع في العقول والنفوس، من هذا القرآن الذي لو أنزله اللّه عزَّ وجلَّ على جبل لرأيته خاشعاً متصدعا من خشية اللّهز
وقال قتادة: لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم لفعل بقرآنكم، وقوله: {بل لله الأمر جميعا} قال ابن عباس: أي لا يصنع من ذلك إلا ما شاء ولم يكن ليفعل. وقال غير واحد من السلف في قوله: { أفلم ييأس الذين آمنوا} أفلم يعلم الذين آمنوا، وقوله: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم} أي بسبب تكذيبهم لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا، كما قال تعالى: {أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون} ، قال الحسن: {أو تحل قريبا من دارهم} : أي القارعة، وهذا هو الظاهر من السياق، وقال العوفي عن ابن عباس {تصيبهم بما صنعوا قارعة} قال: عذاب من السماء ينزل عليهم، {أو تحل قريبا من دارهم} يعني نزول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بهم وقتاله إياهم؛ وقال عكرمة في رواية عنه {قارعة} : أي نكبة، {حتى يأتي وعد الله} يعني فتح مكة، وقال الحسن البصري: يوم القيامة، وقوله: {إن اللّه لا يخلف الميعاد} أي لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة: {فلا تحسبن اللّه مخلف وعده رسله إن اللّه عزيز ذو انتقام} .