متابعات

هجـــــــوم في عقر دار اليمين الفرنسي

مقابلة تبون تتصدر أحاديث العاصمة باريس

أسقط الرئيس الجزائري بروتوكولات المجاملة في حواره مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية متحدثا ببراغماتية اقتصادية وإستراتيجية واضحة المعالم والأهداف أملتها المستجدات الإقليمية، وأبان ضيف “لوبينيون” جانب النديّة في الدفاع عن مصالح بلده، معتبرا أن الجزائر لم تبحث عبر تاريخها الطويل يوما عن أعداء، لكنهم سيجدونها بالمرصاد وفي أتم الجاهزية في حال رغبوا في ذلك.

تناول رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون علاقات بلاده مع فرنسا بكثير من التشريح السياسي والاقتصادي، والأهم بحسابات ميزان التعاملات التجارية بين البلدين، وهو الميزان الذي تراجع في الآونة الأخيرة مفسحا المجال لمن يثقون في قوة الشراكة الاقتصادية مع الجزائر، مثلما هو حال الشريك “الجار” لفرنسا إيطاليا في ظل توافق وتناغم العلاقات الثنائية بين روما والجزائر على أكثر من صعيد واتجاه، ومن منطلق الإيمان في الغد والمستقبل الخالي من تعقيد الحسابات الضيقة أو تلك التي تفرضها أهواء تيارات حزبية معروفة بعدائها بعد أن عجزت عن التخلص من عقدة الماضي المشين، مثلما هو حال اليمين المتطرف الفرنسي  حسب ما يكشفه مسعاه الواضح في سبيل تسميم علاقات باريس بالجزائر على وجه التحديد.

وألقى رئيس الجمهورية بالكرة في مرمى الإيليزيه من اجل إنقاذ علاقات البلدين من المنحدر الذي أوصلها إليه تصرفات تيار أقصى اليمين المتغلغل في حكومة ماكرون، أو على الأقل إيقاف كرة الثلج عند الحجم الحالي، والعمل عكسيا على إذابة طبقات الجليد الذي يتوقف جانب مهم منه على “أفران” باريس لأن غير ذلك من شأنه أن يأخذ علاقات البلدين إلى نقطة اللا رجوع، والوقوع في قطيعة لا يرغب فيها عقلاء البلدين، لكن يرفض العقلاء في الجزائر أن يقدموا إزاءها أي تنازلات على اعتبار أن “المخطئ” معروف العنوان.

وكانت خطوة ماكرون شهر جويلية المنصرم غير محسوبة العواقب بانصياعه لمقترح الحكم الذاتي في قضية الصحراء الغربية وهو ما حاولت الجزائر عبر رئيسها إيصاله لنزيل الإيليزي بمناسبة قمة باري الإيطالية شهر ماي الماضي و “تعامى” عنه الرئيس الفرنسي الذي يكون باعترافه قد اقترف “خطا فادحا” ينافي الحقائق ومنطق الأحداث والتاريخ، والأهم يسيء لسمعة الدولة الفرنسية على اعتبارها عضو مجلس الأمن الدولي الحامي الأول للسلم والأمن في العالم. وقال تبون أن خطوة نظيره الفرنسي كانت السبب الرئيس في إشعال فتيل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.

ودقّق الرئيس الجزائري في وصفه المناخ الذي يجمع الجزائر بفرنسا بكونه مناخ “ضار” ولم تعد سياقات التصريحات السياسية تتحكم في مساره، معتبرا الحديث إلى الرئيس الفرنسي في ظل هذه الظروف بمثابة مضيعة وقت، ما يعني أن الإصلاح يقع في الضفة الأخرى، وعلى ماكرون أن ينقذ سلطته من إملاءات اليمين المتطرف قبل النظر سويا مع الجزائر إلى أي أفق أو مستقبل.

وقدم في ذلك رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون أمثلة عديدة بدأها بمحاولة
وزير داخلية فرنسا توجيه ضربة سياسية للجزائر عبر محاولة طرده لمؤثر جزائري، وصولا إلى التجييش غير المسبوق في قضية الكاتب بوعلام صنصال الذي يواجه في الجزائر قضية قانونية بحتة حاولت أطراف في باريس توظيفها سياسيا بدافع الابتزاز والمساومة.

وفي ذات السياق قال الرئيس تبون أن مشكلة صنصال هي مشكلة بالنسبة للذين خلقوها، ما يجعل منها بئر أسرار لم يكشف بعد عن كل خباياه، مردفا بالقول أن المعني يتلقى العلاج ويكلم عائلته، وأن القضاء من يفصل في الملف بكل سيادة وحرية بعيدا عن ضجيج البلاطوهات.

واستغرب ضيف صحيفة لوبينيون ملاحقة الداخلية في فرنسا لنشطاء جزائريين على شبكات التواصل الاجتماعي في الوقت الذي تحمي فيه مجرمين ومخربين عبر منحهم الجنسية وحق اللجوء؟
وعاد الرئيس تبون مجددا إلى ملف الذاكرة الذي يجب معالجته بجدية وان الجزائر لن تقبل بـ “أنصاف” الحلول في هذا الشأن، كاسترجاع الأرشيف وجماجم المقاومين، وتنظيف مخلفات النفايات النووية معتبرا في كل ذلك أن إدراج مزاعم بعض السياسيين الفرنسيين تحت وصف “الأفعال المعزولة” تقرؤه الجزائر بعنوان الأمر المضحك.

ورفع الرئيس تبون منسوب الأدرينالين لدى الطرف الفرنسي بطيه ملف العلاج في المستشفيات الفرنسية عبر إنهاء اللغط والجدل من أساسه، بقوله أن الجزائر ستتوجه إلى شركاء آخرين في إيطاليا وبلجيكا وتركيان وهو ما اعتبره متابعون ضربة موجعة لقطاع الصحة الفرنسي الذي يصف الجزائر بالمتعامل النشط في موضوع العلاج داخل مستشفياتها.

وبدد ضيف صحيفة “لوبينيون” المزاعم الفرنسية التي تحدثت عن مساعدات مالية وإقامة برامج تنموية في الجزائر قائلا أن المستفيد من تلك المعونات على قلّتها هم الفرنسيون أنفسهم، وان الجزائر في غنى عن مثل هذه المساعدات والبرامج.

ومن المتوقع بحسب ملاحظين أن تحرك تصريحات الرئيس الجزائري الرأي العام الفرنسي، وتوقظ وسط عقلائه آخر المحاولات في تغليب روح الحكمة لدى دوائر القرار في باريس حفاظا على ديمومة المصالح المستقبلية، ومنه تحريض الطبقة السياسية على الإسراع في ردم الهوة التي أحدثها اليمين المتطرف دون انتباه منه أن التمادي يقود إلى عزل فرنسا، لا الطرف الآخر على المعادلة.

عبد الرحمان شايبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.