
قبل أجيال أشار المفكر الجزائري “مالك بن نبي” رحمه الله إلى ما وصفه “بالإنسان النصف” والذي يتميز بشديد إلحاحه على تحصيل حقوقه بينما لا يكلف نفسه عناء القيام بأدنى واجباته، ويبدو أن هذه السلبية التي لمسها في أبناء جيله، ترسخت بفعل التكرار والتقادم والعقليات والممارسات المتوارثة، فأصبحت أكثر ما يميز الكثير من المواطنين ممن يتقنون المطالبة ويتفانون في ذلك، بينما يعجزون على تقديم شيء من الواجبات الموكلة لهم أو تلك التي تقتضيها الظروف والمواقف والحياة بأي حال..
وقد أثبت بعض “الاستثنائيين” الذين “يقدّمون” دون همّ ملاحقة حقوقهم أن هذه الأخيرة تأتي دون سابق تخطيط لها أو تدبير وهو ما يحفزهم على المواصلة في مبادراتهم وأسلوب حياتهم المخالف للأغلبية لأنهم فهموا كيف يوازنون بين حقوقهم والواجبات وهذا ما نحن بحاجة إلى استيعابه والاقتناع به دون الإعراض كليا طبعا عن كل حق تكفله لنا قوانين البلاد ودستورها، لأن التطرف في المطالبة بالحقوق مع التراخي في أداء الواجبات أو العكس ليس لصالح أي طرف فالإنسان بطبعه يميل إلى “نظام المكافأة” والتحفيز والتقدير ومناشدة التغيير المفضي إلى كل ما هو أحسن..
وما يمكن ملاحظته وبشكل واضح لا يحتاج إلى كبير عناء أو دقة لرؤيته أن “أنصاف” المواطنين وما أكثرهم ساهموا في تخلف البلاد عن ركب التقدم والتطور وحتى إنزال الشعارات منازلها في الواقع، وهؤلاء “الأنصاف” هم من يطالبون بتوفير الحاويات في كل حي وشاحنات نقل القمامة وبعمال النظافة، بينما هم أنفسهم من يملؤونها بعشوائية رميهم لفضلاتهم وعدم احترامهم للمواعيد ولا يستعملون الحاويات من الأساس، وهؤلاء هم أنفسهم من يتأخرون عن مواعيد عملهم ويخرجون باكرا ولا يقدمون خدماتهم على وجهها الأكمل الذي يتشدقون به في أثناء مطالبتهم للحقوق، علما أن كل القطاعات تعج بأنصاف عمال وأنصاف تلاميذ وطلبة وأنصاف أساتذة وأنصاف أطباء ومهندسين ودكاترة وأنصاف مديرين وهكذا ظل “الأنصاف” مسيطرين ومتّكلين ومتقاعسين ويشكلون عبئا على كل مجال بل وفي حياتهم وحياتنا جميعا دون أن ننتبه لكوننا نُفقد الوطن توازناته في غياب وعي “مُدرك” لما هو لنا من حقوق وما علينا من واجبات حيث لا الوطن حظي بحقوقه على مواطنيه ولا المواطنين تحصلوا على حقوقهم، بينما الواجب يتموقع في مؤخرة الاهتمام والترتيب والكل يُطالب والكل مُطالَب.
سماح خميلي