
من يسعى لتفعيل بؤر التوتر في العالم؟
يبدوا أن القائل أن أحداث السابع من أكتوبر 2023 بقطاع غزة ستجعل التاريخ يؤرخ بما قبل أحداث السابع من أكتوبر وما بعدها كان على صواب، فالحرب في فلسطين المحتلة وجرائم الإبادة الجماعية التي حدثت هناك، تلتها أحداث جسام وتوترات كبيرة جعلت العالم على صفيح ساخن، وغيرت مجريات الأحداث ومست المسلمات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وجعلت العالم على شفى العودة للحرب الباردة، التي فتح أبوابها ترامب بعد عودته للسلطة، وبعد أن فرض حربا تجارية على الصين التي يظهر أنها تمتلك أوراقا كثيرة في اللعبة الحديثة وأنها تسعى لقطب من الأقطاب التي ستظهر خلال العصر الحديث.
رضوان غضبان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أزمة الهند وباكستان، الكوريتين، حروب الشرق الأوسط، معارك ضارية في إفريقيا، ومحاولة تقويض دور الهيئات الأممية، هل هذا تحضير لحرب عالمية ثالثة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“الصراع التاريخي بين الهند وباكستان والذي يتجاوز الجانب الجغرافي والسياسي إلى الهوية الثقافية والدينية والعرقية ما يجعلنا أمام دولتين إن دخلتا حربا فلا يستبعد أن تستخدما فيها ترسانتها النووية“
ـــــــــــــــــــ
“أبانت معركة طوفان الأقصى على هشاشة محكمة العدل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وأكد للمرة الألف أن جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ما هي إلا منصات للشجب والندب والبكاء على الأطلال“
ـــــــــــــــــــ
“ لعل الشرق الأوسط هذه المرة لن يسلم من مد التوترات العالمية، فالمنطقة التي تحتوي على عدد معتبر من القواعد الأجنبية وتنتهج سلطات مختلفة وآراء متباينة أساسها الظاهري الاختلاف الديني تتجاوز ذلك لتكون “مريونات” لقوى عظمى تسعى لتقاسم المنطقة “
ـــــــــــــــــ
الهند وباكستان توترات تتصاعد، وحرب نووية تلوح في الأفق
لعل تفعيل بؤرة الصراع في شبه الجزيرة الهندية كان النقطة التي أكدت على وجود منهجية واستراتيجية واضحة لإعادة الحرب الباردة إلى ما كانت عليه خلال القرن الماضي، خصوصا أن إقليم كاشمير لا يزال مكانا متوترا وملتهبا للغاية بين دولتين تصنفان من أقوى الدول عالميا من الناحية السكرية والإستخباراتية كما أنهما دولتين نوويتين، فالهند تعد رابع أقوى جيوش العالم كما تتميز بخاصية الثروة البشرية الهائلية التي تتجاوز المليار ونصف المليار نسمة وبعدد أفراد الجيش الذين يتجاوزون المليون والنصف مقاتل يضاف إليهم أزيد من مليون مجند إحتياطي، وبمزانية تصرف على الجيش تقدر بحوالي 75 مليار دولار وبتقدير لحوالي من 90 إلى 110 رأسا نوويا ناهيك عن الترسانة العسكرية في مختلف الأسلحة البحرية والجوية والبرية، أما غريمتها باكستان فتحتل المركز 12 في ترتيب أعتى جيوش الأرض وتتميز بإستخبارات يراها مراقبون أنها الأقوى والأكثر كفاءة عالميا كما تمتلك أزيد من ستة مائة ألف مقاتل في الخدمة وأزيد من نصف مليون مقاتل إحتياط وبمزانية صرف تقدر بحوالي 7.6 مليار دولار وبرؤوس نووية تقدر بحوالي 100 إلى 130 رأسا، ناهيك على الصراع التاريخي بين البلدين والذي يتجاوز الجانب الجغرافي والسياسي إلى الهوية الثقافية والدينية والعرقية ما يجعلنا أمام دولتين إن دخلتا حربا فلا يستبعد أن تستخدما فيها ترسانتها النووية.
التوتر الحاصل منذ أسبوع بين البلدين لم نرى فيه أي تهدأت من قبل أي هيئة أممية ولا دولة من الدول الكبرى بل باتت التصريحات حول الجانب الذي ستدعم كل دولة منهم، ما يطرح لنا تساؤلات عديدة عن الدور الفعلي لمختلف الهيئات الأممية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، ودورها الحالي في الحفاظ على الأمن والسلم العالمين وهما المبدأ الأساسي وراء تأسيسهما؟
تقويض دور الهيئات الأممية.. ينذر بالعودة لما قبل الحربين العالميتين
الظاهر للعيان أن دولا أبرزها أمريكا “الترامبية”، وروسيا والصين والكيان الصهيوني، يبذلون جهودا كبيرة لتقويض دور مختلف الهيئات الدولية الحكومية وغير الحكومية، فكما أشرنا سالفا أن طوفان الأقصى جاء ليكون طوفان على تعدد الوجوه والستائر التي يختفي خلفها العالم، فأبان على هشاشة محكمة العدل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وأكد للمرة الألف أن جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ما هي إلا منصات للشجب والندب والبكاء على الأطلال، وأن لا كلمة لها ولا دور حقيقي عندما يتعلق الأمر بالدول العظمى أو حلفائهم فحق الفيطو مكفول ولكل شخص يملكه يمكن أن ينفذ أي جريمة في حق الإنسانية يريد دون حسيب ولا رقيب وأن هذه المنظمات ليست أبدا حارسا للسلم بل هيئات لاستخدامها في الاحتلال الحديث للدول الأقل قوة أو للأفراد الذين يحاولون أن يدافعوا عن أراضيهم التي سلبت منهم عنوة.
هشاشة هذه المنظمات أكدها ترامب بعد أن وقع مرسوما رئاسيا بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية وهو أكبر مموليها ليؤكد أن القوة والمال هما المحرك الفعلي لأي نظام وأن قوة الدولة تكمن أساسا في قوتها العسكرية والاقتصادية فقط بعيدا عن أي إعتبارت أخرى أي أنها أعاد العالم فعليا لعصر ما قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية ما ينذر بكارثة تتمحور حول اقتراب حرب مدمرة ثالثة إن استمر العالم على هذا النحو.
الكوريتين بؤرة لا تنطفئ
ومن أبرز النقاط الساخنة في العالم شبه الجزيرة الكورية، التي لم تنطفئ أبدا منذ الحرب الباردة في ظل دولتين نوويتين تجمعها عداوة تاريخية لا تقبل الحل، ولعل آخر سنة كانت أسخن من السنوات التي قبلها فقد تبادلت الجارتين الشمالية والجنوبية الاتهامات المباشرة بزعزعة الاستقرار، وأكثرتا من المناورات العسكرية، وإحتفلتا بإنجازاتهما في الصناعة العسكرية وآخرها مطلع هذا الأسبوع حين كشف الزعيم الكوري الشمالي عن مدمرة جديدة تنظم إلى أسطوله المدمر يمكنها حمل الرؤوس النووية التي تراها بيون يانغ خط دفاعها الأول وسلامة لأراضيها، وإن لم تصل لحد الآن التوترات بهما إلى مستوى يفوق الطبيعي والمتوقع كثيرا إلا أنهما حاليا أقرب من أي وقت مضى لتصعيد التوتر خصوصا مع التكرار الأسبوعي لتحرشات من الجانبين.
الشرق الأوسط المنطقة الأكثر حرارة في السلم السياسي والعسكري
ولعل الشرق الأوسط هذه المرة لن يسلم من مد التوترات العالمية فالمنطقة التي تحتوي على عدد معتبر من القواعد الأجنبية وتنتهج سلطات مختلفة وآراء متباينة أساسها الظاهري الاختلاف الديني بين السنة والشيعة تتجاوز ذلك لتكون مريونات لقوى عظمى تسعى لتقاسم المنطقة متمثلة أساسا في أمريكا وروسيا وبدرجة أقل تركيا وربما يمكن وضع إيران في مصاف الدول التي تسعى لتمدد وطبعا لا يمكن ذكر فكرة التمدد دون ذكر الكيان الصهيوني الذي يعيش على حلم إسرائيل الكبرى، فبعد أن شهدت المنطقة حروبا ضارية بين العراق وإيران والعراق والكويت في القرن الماضي ثم غزو العراق والحرب الأهلية السورية وحرب لبنان، والحرب الباردة بين قطر من جهة والإمارات ومصر والسعودية من جهة، ثم معركة لمختلف دول المجلس الخليجي ضد اليمن، ثم طوفان الأقصى والتحرشات العسكرية بين إيران وإسرائيل خلال الحرب وكذا بين الكيان ولبنان والهجومات متعددة الجنسيات بقيادة أمريكية على اليمن ومساندة هذه الأخيرة بصواريخ فرط صوتية للمقاومة وضرب العمق الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يؤكد أن المنطقة هي الأكثر حرارة منذ القرن الماضي والمتصدرة الدائمة للأحداث الساخنة كما أنها منطقة توسع ونفوذ فبعد كل الدول التي ذكرنا والتي تسعى للسيطرة على المنطقة عن طريق وضع حكام عملاء لها تسعى الصين لاجتياحها تجاريا لتعيد خط الحرير وتدخل المنافسة السياسية والاقتصادية في المنطقة.
حروب ضارية في إفريقيا
ولعل القارة الإفريقية هي الأخرى لم تسلم من فتح بؤر التوتر بها، والتي لم تكن حاضرة بصفة مباشرة خلال الحربين العالميتين الماضية بصفة مباشرة إذ أنها كانت في إطار الاحتلال كما أن أراضيها لم تشهد معارك تذكر عدى بعض الدول في شمال القارة، ولكنها الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى فالعالم تفطن أنها القارة المدججة بالخيرات الباطنية فبدأت المناوشات خاصة بين روندا والكونغو، ناهيك عن دفع “المخزن المغربي” إلى محاولة استنزاف الجزائر ونظرا للقوة العسكرية التي تمتلكها الدولة الجزائرية وأن لا ليس للمخزن قبل بها فقد بدأ مع محور قوى الشر يحاول أن يكيد المكائد بفتح جبهات مستغلا الطغمة الانقلابية في مالي والنيجر وبوركينا فاصو لحصار ثاني أقوى الدول الأفريقية عسكريا بعد جمهورية مصر العربية هذه الأخيرة التي أغرقت في سلسلة ديون تجاوزت المائة والخمسين مليار دورلار والتي لا يمكن سدادها إلا بعد أزيد من ستين سنة من الآن ما يجعل قوتها العسكرية ضعيفة أمام التحكم السياسي الخارجي بداعي سداد الديون وبذلك تحييد أقوى جيش كان من المقدر أن يقلب الموازين في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا، ناهيك عن فتح جبهة خاصة به مع إثيبويا حول مشروع سد النهضة، في حين تم إغراق بعض الدول في القارة السمراء بالإرهاب لاستنزاف القدرة العسكرية للبلاد وأيضا لفتح الباب أم التدخل الأجنبي وخلق نقاط ارتكاز جديدة للقوى الكبرى من أجل وضع اللمسة الأخيرة على مواقع رقعة الشطرج.
من يسعى لتفعيل بؤر التوتر في العالم؟
لعل الإجابة عن هذا السؤال حاليا لن تكون دقيقة مائة بالمائة فالظاهر أن بعض الدول العظمى تسعى لذلك لتحقيق حلم إمبراطوريتها التاريخية أو أفكارها التوسعية أو الاقتصادية والتجارية، لكن قد يكون خلفها منظمات وشركات متعددة الجنسيات تسعى لتغير توازن العالم الذي أضحى لا يخدمها، كما أن بعض هذه القوى الخفية قد تكون ذات فكري ديني محض يسعى لتنفيذ نبوءة قديمة، ولكن تبقى الأيام وحدها كفيلة بالإجابة الشافية عن هذا السؤال، ونبقى نمني أنفسنا أن يجد العالم طريقا دبلوماسيا لوقف شرارة الحرب العالمية الثالثة وصدها لأن الفائز في الحرب خاسر، والخاسر الأكبر سيكون الإنسانية.