إسلاميات

من مقاصد الصوم تعزيز روابط التراحم والتآلف بين المسلمين

قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ سورة الأنبياء الآية 73

التآلف والتراحم من أعظم خصال المجتمع المسلم، بل إن ذلك فريضة شرعية وضرورة حياتية لصلاح المجتمع واستقراره وأمنه، ومن هنا كان من مقاصد الصوم تربية المسلمين على التآلف والتراحم بين جميع فئات المجتمع؛ قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء 36]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 71].

وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم حال أفراد المجتمع في تماسُكهم وتكافلهم بصورة تمثيلية رائعة؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»؛ (مسلم:2586).

والصوم يُكسب المسلم روحانية ورقة في القلب، ولينا في السلوك وسعة في النفس، فيظهر ذلك في تعامله مع إخوانه في المجتمع، فيثمر ذلك العفو والتسامح والبذل والعطاء، وتقديم النفع وكف الأذى، فيكون ذلك زادا لبقية العام، بل للحياة جميعا، والموفق من هداه الله لنيل هذه المطالب وهذه الرُّتَب.

وفي شهر رمضان يكون الإنفاق أعظم؛ لأنه يتزامن مع الصيام والقيام وقراءة القرآن، فكيف بمسلم يقرأ قول الله عز وجل: ﴿مَنْ ذا الذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة:245]، أو يقرأ أو يسمع قول الله عز وجل: ﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: 39]، ثم لا يسارع إلى الإنفاق والبذل والعطاء؟! كل بما يستطيع، فكم من جائع ومحتاج ويتيم ومسكين ومريض وغارم، يحتاج إلى من يقف بجانبه ويمد يد العون له ولن يضيع ذلك عند الله.

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس في رمضان وغير رمضان، أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فلَرسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – أجودُ بالخير من الريح المرسلة، وفي الحديث القدسي: قال الله عز وجل: “أنفِقْ يا بن آدم، أُنفقْ عليك”؛ (البخاري ومسلم).

وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا)؛ رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان، وصححه الترمذي وابن حبان.

وفي شهر رمضان يجتمع المسلمون في المساجد لأداء الصلوات، فتزداد الألفة بينهم، وتجتمع الأُسر والأقارب والجيران على موائد الإفطار، وربما لم يجتمعوا من شهور، وفي شهر رمضان يبحث الناس عن المحتاجين والفقراء وتخرج الزكاة، وفي ذلك دافعٌ للتآلف والتراحم بين الناس، وبين الأغنياء والفقراء، فيَصُبُّ كلُّ ذلك في مصلحة المجتمع والأمة

فالمسلم لا يعيش لنفسه وحسب، بل لابد أن يتعدّى نفعه وخيره للآخرين، وفي وقت الشدائد والمحن والنكبات، يكون الأمر أعظم، وفيه تظهر صورة المجتمع المسلم المتماسك والمتراحم والمتعاون، كما أمر الشرع بذلك؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 73]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج:77].

والرحمة من كل مسلم رحمة عامة، يرحم بها جميع خلق الله من حوله، رحمة لا تقوم على القرابة والرحم والبلاد والصداقة، أو القبيلة أو الحزب وحسب، لكنها رحمة تشمل الجميع، مَن تعرِف ومن لا تعرِف، ابتداء بالوالدين؛ قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الاسراء: 24].

وكذلك الزوجة والأولاد والعمال والجيران والأرحام والمحتاجين والفقراء، والأيتام وأصحاب العاهات والمعاقين والمرضى وكبار السن، ويرحم الحيوان والطير، ويرحم حتى الكافر المسالم والذمي المعاهَد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحَمْكم من في السماء)؛ (رواه أبو داود والترمذي)، وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: (من لا يرحَم الناس لا يَرحمه الله)؛ (رواه البخاري ومسلم).

فهذا رمضان شهر الصيام، بفضائله تزكو النفوس وتتأصل القيم، وتتوحّد القلوب ويتراحم الأفراد، وكل فرد عليه أن يكون معول بناء لا معول هدم، وواحة رحمة لا صحراء قاحلة من الخبث والحقد والبغضاء، فاستغلوا نفحات هذا الشهر رحمكم الله.

حسان أحمد العماري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.