لقد شاع في مختلف بلدان العالم عموما أن مفهوم الخيانة مرتبط بتصرفات وسلوكات معادية للدولة، خاصة في الجزائر، حيث تعتبر الخيانة إفشاء أسرار الدولة لجهات معادية، أو تقديم معلومات من شأنها أن تهدد الأمن القومي للدولة، وقد ارتبط مفهوم الخيانة في الجزائر بشكل كبير بما كان يصدر عن “فئة ما” إبان الثورة التحريرية، وهي الفئة المسماة “بالحركى” الذين كانوا يشون بالمجاهدين والثوار ويقومون بتقديم معلومات للكيان الفرنسي ضد الثورة التحريرية، وبالتالي، فالصورة الذهنية لمصطلح الخيانة مرتبطة “بالحركى” إبان الثورة التحريرية ومرتبطة اليوم “بالخبارجية”.
من جهتنا، نرى بأن الخيانة في مفهومها الحديث، أي في مرحلة السلم لا ترتبط بالضرورة “بتقديم معلومات لجهات معادية”، ولا ترتبط بالضرورة بالتخابر قصد الإضرار بالأمن القومي وزعزعة استقرار البلاد، بل يمكن أن تكون الخيانة “تصرفات وسلوكات” يراها فاعلها “بسيطة” في حين أنها خيانة فعلية، فعندما لا يصون الموظف الأمانة يمكن وصفه بالخائن، وعندما يتعمد موظف إلحاق ضرر بمواطن فإنه بالإمكان وصفه بالخائن، ونرى بأنه من مظاهر الخيانة أن تأتمن الدولة معلما أو أستاذا على التلاميذ فيخون الأستاذ الأمانة فيقدم “قشرة العلم والمعرفة” للتلميذ في المؤسسة العمومية ويعده باللب في “الدروس الخصوصية”، ومن مظاهر الخيانة أن تأتمن الدولة “طبيبا” أو “ممرضا” على المرضى في المؤسسات الاستشفائية العمومية “فيحرمهم بها من مجانية العلاج” ويبعث بهم إلى “زميله في عيادة خاصة” بموجب “عقد عرفي” ربما بينه وبين ” صاحب العيادة، ومن مظاهر الخيانة أن يقوم موظف “مكتب بريد” ببيع طوابع بريدية ووثائق ما “لصاحب كشك” فيحرم المواطن منها بثمنها الطبيعي ويوجهه إلى “صديقه أو قريبه أو شريكه” الذي يضيف على سعرها الحقيقي دنانير وفق “سعر السوق السوداء”.
مظاهر الخيانة عديدة ومتعددة، وبقدر ما لا يمكن حصرها في “التخابر وإفشاء الأسرار للجهات المعادية” بقدر ما يمكن ملاحظتها في “سلوكات” تبدو بسيطة في حين أنها “أخطر أنواع الخيانة”، باعتبار أنها تسري “بالتقطير” في المجتمع وتلحق به من خلال المواطنين، وبالدولة من خلال مؤسساتها أضرارا بليغة تظهر مع الوقت.
حمزه لعريبي