العمود

ملامح التمديد

وجب الكلام

من عجائب المفارقات في بلادنا أن الشعب الجزائري لا يتوان عن المطالبة بالتغيير، ولا يتوان عن المطالبة بتشبيب المؤسسات والأحزاب، ولا يتوان عن المطالبة بتسليم المشعل للشباب، غير أن نفس المطالبين بكل ما سلف ذكره يضربون مطالبهم عرض الحائط ويرفضون الإسهام في التغيير الذي ينشدونه، وما يحدث في كل موعد انتخابي هو نفس الذي يحدث في كل موسم ينبت فيه الفطر، فمحبو الفطر يقعون كل موسم في نفس الخطأ إذ يتسابقون إلى قطف الرؤوس الكبيرة طمعا في “الحجم” ليصطدموا بحقيقة أن الفطر الكبير الحجم “سام”، بمعنى أن الكثير من الناخبين والكثير من الناشطين السياسيين وحتى الفاعلين في المجتمع المدني يهرعون في كل موعد انتخابي إلى إعادة “تدوير” المنتخبين السابقين ورسكلتهم أملا في أن يقدموا ما عجزوا عن تقديمه “في العهدة السابقة”، وهذا ما نراه قمة الغباء وتفويتا لمزيد من الفرص التي يمكن أن يتم إحداث التغيير فيها.

السلطات العليا في البلاد، وصناع القرار لا يفوتون فرصة إلا ويتحدثون فيها عن رغبتهم الملحة في إحداث التغيير وعن نيتهم في الدخول لجزائر جديدة، فقد تم الانطلاق بانتخابات رئاسية ثم انتخابات تعديل الدستور فالانتخابات التشريعية مرورا إلى الانتخابات المحلية المسبقة، وكل هذا في سبيل التعجيل بطي صفحة الماضي “التي عجت بالفساد”، وبالتالي فكأن صناع القرار في البلاد يرمون بهذا الكرة في ملعب الشعب ويوجهونه بطريقة غير مباشرة لأن يحدث قطيعة مع ممارسات الماضي، غير أن الملاحظ هو أن نفس الممارسات في طريقها لأن تتجدد وتنتعش والانتخابات المحلية القادمة قد باتت ملامح “التمديد” للأوزان الثقيلة ظاهرة في كواليس التحضير لها، وعندما نقول الأوزان الثقيلة فإننا لا نقصد الكفاءة أو ما شابه، بل نقصد “الشيوخ” والباحثين عن “التقاعد المريح” في “المجالس المنتخبة”، والمؤسف أن الشعب قد أظهر هو الآخر ملامح الاستسلام لنفس الممارسات البالية ورفض التجند لإحداث قطيعة مع “الأحزاب التي تصر على رسكلة الوجوه القديمة” وهذا بحجة أن “التجند خلف الأحزاب” يقلل من التكلفة ومن الجهد، حتى لو تعلق الأمر بالاسهام في إعادة مبايعة “الوجوه القديمة” التي لن تأت بأي جديد ولو عمرت في المجالس المنتخبة، لهذا وعلى ما يبدو فإن كثيرا من الناشطين والفاعلين والناخبين لم يتهيئوا بعد للتغيير ولم يهضموا بعد فكرة أن “التغيير” لا يتأتى بالكسل وبالتراخي بل بالعمل المرفوق بنية صادقة لإحداث التغيير وإرادة قوية لتجسيد “الطموحات”، أما والأغلبية من الناخبين تنتظر “أن تستيقظ يوما” وتجد الوضع قد تغير فهذا ما لا يبعث على التفاؤل أبدا، لأن من بيدهم القدرة على التغيير قد “اندمجوا مع من يصرون على التمديد لزمن الرداءة”، إلا إذا تدخلت الدولة بأدواتها وقامت بكنس كل من تثبت علاقتهم مع “مشروع التمديد الأبدي للرداءة”.

حمزه لعريبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.