
ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: “كلُّ عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله – عزَّ وجلَّ -: إلاَّ الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربِّه، ولخُلُوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك”.
الصبر والصيام
الصيام من الصبر، وقد قال تعالى: ” إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ” [الزمر: 10]، وورد عن النبي – عليه الصلاة والسلام – أنَّه سَمَّى شهر رمضان شهر الصبر، وفي حديثٍ آخر عنه – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: “الصوم نصف الصبر”؛ خرَّجه الترمذي، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وتجتمع الثلاثةُ في الصوم، فإنَّ فيه صبرًا على طاعة الله، وصبرًا عَمَّا حَرَّم الله على الصائم من الشهوات، وصبرًا على ما يَحصل للصائم فيه من ألَم الجوع والعطش، وضعف النفس والبدن.
خصوصية الصيام
لقد خصَّ الله – سبحانه – الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال؛ لأنَّ الصيامَ فيه تركٌ لحظوظ النفس وشهواتها الأصلية، التي جبلت على الميل إليها لله – عزَّ وجلَّ – ولا يوجد ذلك في عبادةٍ أخرى غير الصيام، ثُمَّ إنَّ الصيامَ سِرٌّ بين العبد وربه، لا يطلع عليه غيره – سبحانه.
حقيقة الصيام
قال بعض السلف: أهونُ الصيام تركُ الشراب والطعام؛ قال جابر – رضي الله عنه -: إذا صمت، فليصم سَمْعك، وبصرك، ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينة يومَ صومك، ولا تَجعل يومَ صومك ويومَ فطرك سواءً.
فرحة الصائم
قوله – عليه الصلاة والسلام -: “وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه”، أمَّا فرحة الصائم عند فطره، فإنَّ النفوسَ مَجبولة على الميل إلى ما يُلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثُم أبيح لها في وقت آخر، فرحت بإباحة ما مُنِعَت منه، خصوصًا عند اشتداد الحاجة إليه، فإنَّ النفوسَ تفرح بذلك طبعًا، فإن كان ذلك محبوبًا لله، كان محبوبًا شرعًا، والصائم عند فطره كذلك، وأَمَّا فرحة الصائم عند لقاء ربه، فبما يجده عند الله – عزَّ وجلَّ – من ثواب الصيام مدخرا، فيجد نفسه أحوجَ ما كان إليه.