مواسم البوح

لِمَاذَا أَكْتُبُ؟ حُسَامُ الدِّينِ أَبُو صَالِحَة (جُمْهُورِيَّةُ مِصْرَ العَرَبِيَّةِ)

مقال

الجزء الأول

تَسَاؤُلٌ شَحَذَ ذِهْنِي، وَجَالَ بِخَاطِرِي، واسْتَرْعَىٰ فِكْرِي حِينًا؛ حَيْثُ حَيَّرَنِي عَقْلِي بإجَابَاتٍ شَتَّىٰ مَا بَيْنَ شُهْرَةٍ فَائِقَةٍ، وَمَالٍ وَفِيرٍ، وَذَيَاعِ صِيتٍ بِمَحَافِلَ دَوْلِيَّةٍ، وَبِعَرْضِ ذَاكَ التَّسَاؤُلِ عَلَيٰ قَلْبِي لَمْ أجِدْ سِوَىٰ إجَابَة وَاحِدَة قَاطِعَة، وَخِيَار وَحِيد لِشَوَاهِدَ سَاطِعَةً؛ حَيْثُ أقَرَّ قَلْبِي مَا ارْتَاحَ لهُ بِالنِّهَايَةِ عَقْلِي، فَأنَا لمْ أكتُبْ؛ لِيُذَاعَ صِيتِي، ويَشْتَهِرَ اَمْرِي  بينَ الوَرَىٰ؛ فَيُشَارُ إليَّ بِبَنَانِ المَعرِفَةِ، ويتردَّدُ اسْمِي بأنْدَىٰ الألْسِنَةِ، وإنْ كانَ الاشْتِهَارُ غَايَةً مَشْروعَةً، وقَصْدًا مَحمُودًا، وَلمْ أكتبْ؛ لأصبحَ بينَ الأثرياءِ، وَعِلْيَةِ القومِ، وصفوَةِ المجتمعِ، وإنْ كانَ الثَّرَاءُ وسيلةً لا تَقْدَحُ بصاحِبِهَا، ولا تُسيءُ لِفَاعِلِهَا؛ فالمالُ عَصَبُ الحياةِ، وأساسُ المعيشةِ، لَٰكِنَّهُ ليسَ غايةٌ في حَدِّ ذاتهِ، وإنَّما وسيلةً لمآربَعِدَّةٍ، وأهدافٍ كُثُر، إنَّمَا أكتبُ؛ لأنَّ الكتابةَ أحبُّ هُوَايَاتِي، وَكُلُّ غَايَاتِي، وأسعدُ أمْنِيَاتِي؛ فمنتهيٰ سعادَتي حِينَ أمسكُ بقلمي، وأضعُهُ بإدَاوَةِ حِبْري؛ لأتَرجِمَ مَا يَعِنُّ بصدري، وما يَدورُ بعقلي لَا يَحُدُّني حَدٌّ، ولا يحولُ بينَ قلمي، وعُصَارَة فِكري تَكَاثُرُ عَدٍّ؛ فأحَلِّقُ بآفاقٍ واسعةٍ، وأجولُ بحدودٍ شاسعةٍ بجناحينِ أحَدُهُمَا فِكري، والآخَرُ ضَميري، ولا تعارضَ بينهُما؛ حتَّي أعلُوَ بسماءِ أدَبي، وارتفعَ بآفاقِ كَلِمِي، فالفكرِ المُنْسَجِمِ معَ الضميرِ، والقيمِ، والأخلاقِ؛ يَسمُو بقَرِيحَةِ صاحِبِهِ، ويعطيهِ بصمةً بينَ أقرانهِ، ومِيزَةً بينَ أترابهِ، وأجملَ مَا في الأمْرِ أنْ تكونَ صادِقًا معَ نفسِكَ، ومُخلصًا بينَ أحرفِ كَلِمِكَ.

ــ أكتبُ لأنِّي مُتَيَّمٌ بالكتابةِ أهواهَا، ومَا أرضىٰ بديلًا سِواها، حُبٌّ لدرجةِ الهُيَامِ مُتَجَذِّرٌ بنفسي آخذٌ بتلابيبِ عقلي، ومتربِّعٌ بشِغَافِ قلبي لا استطيعُ منهُ الفَرَّ، ولا أقوىٰ علىٰ استعدائِه بِكَرٍّ.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.