
الحلقة الأولى (01):
هذه ثاني رواية تخطّها أنامل الكاتب المبدع جمال بشا وهي خامس كتبه، المتميزة بأسلوبها الساخر الناقد، مشبعة بروح الواقع والنبش في السياسة التي ابتلي بها جلّ الجماهير العربية، حتى أنّك تكاد تجد في كلّ مواطن عربي سياسيا يقيم حزبا لوحده في (رأسه)، وكأنّه يملك مفاتيح الحلول لكلّ شيء.. ولذلك أكثر ما يشدّه في الحياة كرة القدم والسياسة.
ومن هذا المنطلق تأتي هذه الرواية في وقتها وفي بيئتها الطبيعية التي تفتن بكلّ ما هو سياسي حدّ الثمالة، ويأتي الكاتب معبرا عن أمل المواطن البسيط الذي يطمح إلى جنّة الله في أرضه، ولكن لا يمكن أن تتحقّق بخاتم سليمان وهو غير موجود لكن يمكن أن تتحقق من خلال سرّ بسيط جدا سرّ يملكه كلّ إنسان إنّه (الحلم) فبنيت الرواية كلّها على حلم..!
مع العنوان اللغز: (ليلة كنت رئيسا للجمهورية):
يبدو العنوان مباشرا وواضحا بسيطا، لكنّه في الواقع يحتاج إلى شيء من التدبّر والتقليب في دلالة الكلمات، والبحث في ظلالها وانزياحاتها اللفظيّة، من الذي كان رئيسا؟ ومتى وكيف ؟ وهل كان رئيسا فعلا؟ وهل كان رئيسا بداية من تلك الليلة أم هي ليلة واحدة فقط؟ وهل صار رئيسا فعلا أم هو مجرّد حلم يتيم..؟
تلك هي القراءة السابرة للعنوان قبل الإبحار في متلاطمات النّص، ثم نجد قبله نصّا قصيرا مرشدا إلى ثناياه ومنعرجاته.. هو بمثابة نصّ قصير مرشد إلى ثناياه ومنعرجاته، وتمثل في الإهداء وأيّ إهداء إنّه بصمة خاصّة للكاتب إذ طُبع كما خطّه على الورق وكأنّه يقول هأنا ذا أخاطبكم من أعماق القلب، بحروف قلم الحبر وليس حروف الحاسوب، ولذلك رسالته الخاصّة، ويقول في ذلك الإهداء (العتبة):
“إلى كلّ الذين في ليلهم يحلمون؛ وفي نهارهم يجدّون ويجتهدون؛ ويصرّون على تحويل أحلامهم إلى حقيقة..”
الجزء الأوّل من الإهداء وهو جزء يجعل الحلم والواقع يتعانقان بالكدّ والجدّ والاجتهاد، وهو منهج واقعي طبيعي يقرن الواقع بالأمل، وفي الجزء الثاني من الإهداء يعود إلى الفنان علي معاشي ويستدعي أغنيته الشعبية الرائعة والشائعة في حبّ الجزئر “كما قال الشهيد الفنّان علي معاشي في إحدى أغانيه الوطنية؛ رغم ما كان يفعله الاستعمار الفرنسي بكلّ من يعتز بوطنه؛ ويصرّح بانتمائه له في السّر أو في العلن؛ فما بالك لما يتعلّق الأمر بأغنية رائعة تهدف إلى إيقاظ الرّوح الوطنية لدى الجزائريين “يا ناس أما هو حبي الأكبر.. يا ناس أما هو عزي الأكبر.. لو سألوني نفرح ونبشر.. ونقول بلادي الجزائر”.
هذه البصمة الجميلة في مطلع الرواية خارطة طريق واضحة المعالم لقراءتها بشكل صحيح، دون تأويلات أو سوء فهم لمجريات الأحداث، وهذا الأسلوب في انتزاع القارئ من فضوله المتردد إلى فضوله المقتحم للمتن بكلّ كيانه وروحه.
موجز مكثّف:
تبدأ الرواية بمشهد ساخر من صنف (شرّ البلية ما يضحك)، حيث تنزل أمطار غزيرة فتحدث فيضانات كبيرة تقطع الطرق وتهدم المنازل وتتسبب في بعض الوفيات والإصابات في صفوف السكان، والغريب أنّ مدير الأرصاد الجويّة يتهم أحد الأئمة الذي دعا إلى صلاة الأستسقاء دون الرجوع إلى الوزارة..!!
ويكون هذا الحادث هو القطرة التي أفاضت الكأس وتبدأ موجة من النّقاش العاصف بين النخبة الحاكمة من أجل السعي إلى تغيير الوضع المزري الذي آلت إليه أمور البلاد، والعباد ويقررون إجراء انتخابات رئاسية وأعلن ذلك فعلا ولكن كان عدد المتقدّمين للترشح هذه المرّة بالآلاف، فلم يتمكن المجلس الدستوري من دراسة ملفاتهم جميعا، وبعد التداول والنقاش المحتدم توصلوا إلى فكرة عجيبة غريبة، وهي أن يختار رئيس الجمهورية بالقرعة من بين جميع المترشحين، وعندما تجرى القرعة تخرج لصالح المواطن البسيط (صابر لمدربل) وهو أستاذ متقاعد (من مناطق الظلّ)، وتولّى صابر لمدربل المعلم البسيط رئاسة الجمهورية، وبدأ يمارس مهامه بكفاءة عالية، كما كان يمارس مهنته الرسالية العظيمة. وبدأ في تطبيق العدالة والنهوض بالاقتصاد الوطني، وإعادة سمعة الجزائر الدولية، كما قرر حلّ جميع المجالس المحلية والولائية والمجلس الشعبي الوطني، وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، والغريب أنه ترشح له ملايين الجزائريين.
وأجرى زيارة خارجية إلى إحدى أكبر الدول في العالم، فقوبل بالترحاب والاحترام الكبير، ولكنه وهو في طريق عودته فوجئ بأنّ هناك طائرات عسكرية تحيط بطائرة الرئاسة وترغمها على تحويل مسارها إلى وجهة أخرى، لكنّ الطيار لبراعته وحكمته استطاع أن يراوغها ويحطّ في مطار الجزائر بسلام.
وعندما استقلّ السيارة متجها إلى مقرّه أخبر أنّ السيارة مفخخة وستنفجر بعد خمس دقائق، وفي نهاية المطاف يكتشف البطل (الرّئيس) أنّ ذلك كان مجرّد حلم، وأنّه وصل إلى الجزائر سالما، لكنّه يكتشف بعد استقباله في المطار أنّه وقع انقلاب عليه من قبل الفئة المتنفذة في السلطة، وأعادوا الرئيس السابق للحكم، وتعرّض لمحاكمة جائرة كادت تقوده إلى المشنقة، وفي الختام نكتشف أنّ هذه الأحداث كلّها ما هي إلا مجرّد حلم أيضا كان يرويه لعمي بوعلام صاحب المقهى الذي تعوّد على ارتياده يوميا.
محتوى الرواية يثير شهيّة كلّ القراء الجزائريين، بل كلّ قارئ عربي مهتم بشؤون وطنه، ويطمح إلى التغيير المنشود، كما أنّها طرحت كثيرا من الأفكار السياسية والاجتماعية التي تثير النقاش وتختلف حولها الآراء ووجهات النّظر لاسيما في أيامنا هذه، وهي أفكار جريئة وساخنة حتى وإن أطرها حلم..!