
عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لكل داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دواءُ الداء، بَرَأَ بإذن الله عزَّ وجل”.
دل الحديث بإفادته العموم على أن الله تعالى خلَق أدوية لجميع الأمراض، حتى الناشئة عن السموم القاتلة، والمستعصية على الأطباء المهَرَة، ولكنه سبحانه طوى عِلمَها عنهم فلم يجعل لهم إليها سبيلاً؛ تحقيقًا لقوله – جل شأنه -: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: 18]، وقوله سبحانه: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً﴾ [الإسراء: 85].
كما دل الحديث على أن التداوي من الأسباب المادية للشفاء، فلا تأثير له إلا بإذنه وإرادته عزَّ سلطانه، فكما لا يَلزَم من وجود الداء العلمُ بالدواء، لا يلزم من وجود الدواء تحقيق الشفاء، بل ربما أحدث الدواء داءً آخر، وربما تَحقَّق البرء من غير دواء، كما شُوهِد في كثير من الأحيان.
وفي الحديث مشروعيَّة التداوي؛ بل استحبابه، وأنه لا يُنافي التوكُّل، بل هو من جملته؛ إذ لا تتم حقيقة التوحيد إلا بالأخذ في الأسباب التي نصبها الله تعالى مقتضيات لمسبَّباتها قدَرًا وشرعًا، فتعطيلها يَقدَح في التوكل نفسه، فإن الصادق في توكُّله يَمتثِل ما أمر به من الأخذ في الأسباب، مُعتمِدًا على العزيز الوهَّاب، وربما وجب التداوي شرعًا إذا كان في ترْكه تعطيلُ أمر واجب من واجبات المعاش أو المعاد، لا جَرَم أن المرض الشديد يحول بين المريض وخير كثير، وقد جاء الأمر بالتداوي صريحًا في قوله صلى الله عليه وسلم: ((تَدَاوَوْا عبادَ الله، فإن الله – عز وجل – لم يُنزِل داءً إلا أنزل معه شفاءً، إلا الموت والهَرَم))؛ رواه الإمام أحمد وغيره عن أسامةَ بن شَريك.
والحديث يُشير إشارة لطيفة إلى لطفه سبحانه بعباده ورحمته بهم، إذ ابتلاهم بالأدواء وأعانهم عليها بالأدوية، كما ابتلاهم بالذنوب وأعانهم عليها بالتوبة والحسنات الماحية.
وبهذا الإيضاح يرد الحديث على غُلاة الصوفية الذين يُنكِرون التداوي، ويقولون: إن المرض بقضاء الله وقَدَره غافلين أو متغافلين عن أن التداوي كذلك بقضاء الله وقدَره، بل كل ما يقع في الكون بقضاء الله وقدره، ومن ذلك أقرب الأشياء إلينا الجوع والعطش، وقد أُمِرنا بدفعهما بالأكل والشرب، كما أُمِرنا بدفع المضارِّ، وقتال الكفار، وجهاد النفس والهوى، ونُهينا عن الإلقاء بأيدينا إلى التهلكة، مع أن الأجل لا يتغيَّر، والمقادير لا يتقدَّم شيء منها ولا يتأخَّر.