متابعات

لا “رايــــــــــة بيضـــــــــــاء” للمقاومة في غزة

صمود الشعب أجبر الكيان على قبول الصفقة

بخلاف ما روجت له سلطات الاحتلال بداية الحرب في القضاء على جذور المقاومة وتحرير كافة الأسرى واستعادة الأمن في مستوطنات الغلاف وجدت حكومة الكيان نفسها مجبرة في آخر المطاف على الجلوس إلى طاولة التفاوض وسماع شروط الطرف الآخر بعد صموده 15 شهرا في وجه أعتى قوة عسكرية في المنطقة بأبسط وسائل الدفاع عن النفس والوطن، لكن بإيمان كبير حيّال القضية الأكثر عدلا والأكثر تغييبا في العالم فلسطين.

عبد الرحمان شايبي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

إلى غاية اللحظات الأخيرة من سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لم تتردد قوات الاحتلال على تنفيذ المزيد من الغارات على القطاع وإلحاق حصيلة جديدة من القتلى والجرحى بالقائمة التي ضمت 46 ألف شهيد وأزيد من 120 ألف جريح على مدار 15 شهرا من عمر العدوان الصهيوني على شعب أعزل من المدنيين، أغلبهم أطفال ونساء.

وتكشف غارات الساعات الأخيرة قبل سريان الاتفاق حجم الهزيمة الموجعة التي منيت بها إسرائيل في الحرب بعدما تم جرها إلى طاولة التفاوض رغم بشاعة وفظاعة ما اقترفته من إبادة وتطهير وتهجير وسط سكان القطاع.

مثلما يكشف التناقض والمناورات المتواصلة داخل مجلس “الكابنيت” شعور المحتل العميق بالهزيمة من جهة، ومدى تعطشه لسفك المزيد من الدماء من جهة أخرى بعيدا عن أي قواعد للحرب.

وتتهرب حكومة بنيامين نتنياهو من مواجهة الحقيقة في أن المقاومة فرضت منطقها على شروط الصفقة، وأنه لا أسير يعود إلى الديار تحت تواصل القصف الذي استمر 15 شهرا دون أن يفك قيد سجين حرب واحد.

ومع أن القطاع دفع فاتورة العدوان في جبهة القتال وعلى مستوى البنية التحتية بعدما لجأ الاحتلال إلى خوض حرب تقوم على التطهير والتهجير ولا تقيم للأعراف وزنا، إلا أن ذلك لم يمنع الموت من أن يتخطف جنود الاحتلال في الكمائن والقنص والمواجهة من النقطة الصفر، إذ تعدُ إسرائيل “أثقل” حصيلة من القتلى والجرحى وسط جنودها عبر تاريخ حروبها العربية.

ويمتد الفشل العسكري والأمني في إسرائيل ليجر معه الفشل السياسي الذريع تحت قيادة حكومة دينية متطرفة لا دين ولا معتقد سياسي لها سوى البطش والعدوان والإغارة على العزل.

ومن المرشح أن يتمدد هذا الفشل السياسي ليعصف بمستقبل الحكومة القائمة في ظل تهديد وزراء النزعة الدينية المتطرفة بالانسحاب، ما يفتح باب المحاسبة على مصراعيه أمام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعددا من مقربيه وممن شاركوه إستراتيجية “القذارة” التي قادها في غزة بعد أن تحول كل شبر في القطاع إلى مستنقع ابتلع نخبة الألوية في الجيش الأول والأكثر تسليحا في منطقة الشرق الأوسط تحت ضربات مقاومة اعتمدت على سلاح تقليدي بسيط في دك صفوف المحتل وكافة شركائه وداعميه.

وتحاول حكومة نتنياهو التعويض على فشلها في غزة بالالتفات إلى المقاومة في الضفة الغربية حتى تمنح المتطرفين الذين آثروا البقاء داخل الائتلاف الشعور أن الحرب مفتوحة ومتواصلة، وأن صفقة غزة لا تنهي مسار تصفية القضية والدولة الفلسطينية وفق مزاعم اليمين الصهيوني المتطرف.

ورغم الترحيب الدولي الوسع فقد أبقى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تساؤلات كثيرة حول مستقبل القطاع بعد تنفيذ الاتفاق ومفهوم “اليوم التالي” للحرب الذي رفعته إسرائيل بداية العدوان.

كما يلقي ضغط الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة العائد ترامب الكثير من الظلال حول مستقبل المنطقة برمتها وما إذا كان إلحاح الأمريكيين على الذهاب إلى إبرام الاتفاق قناعة بعدم حسم المعركة تحت خيار السلاح، أم مجرد عاصفة تتحرك رياحها وتتشكل عقدها بعد تحرير الأسرى؟

إلى ذلك، يتطلع الفلسطينيون في القطاع إلى لملمة جراحهم والعودة إلى ديارهم سيما في الشمال، في ما ينتظر القطاع حملة إعادة الإعمار، وقبلها وصول المساعدات الغذائية والطبية، وفتح المعابر من أجل تنقل الجرحى للعلاج في الخارج.

ويتوجس متابعون من أن تنطلي الصفقة عن كونها “تبريكا” بعودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى إدارة البيت الأبيض، ما يفتح مجال المناورات واسعا أمام حكومة الاحتلال في نقض بنودها والالتفاف عليها مثلما حدث مع صفقة التبادل الأولى وغيرها من المخاوف التي تبقي يد المقاومة على الزناد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.