العمود

لا بد من تطوير الذكاء الاجتماعي

وجب الكلام

المدرسة عادة هي المؤسسة التي يتم فيها تقييم الأفراد من حيث نسبة الذكاء، وعندما نقول أفرادا لا تلاميذ فلأننا نرى بأن أي شخص عندما يتجرد من الصفة التي يكتسبها بالانتماء لأية مؤسسة هو فرد في المجتمع، وهنا جوهر موضوعنا، فالمدرسة هي المؤسسة التي يتم من خلالها تصنيف أفراد المجتمع، بين عباقرة، وأذكياء، وقليلي الذكاء، ونصر على كلمة قليلي الذكاء بدل الأغبياء قناعة منا بأن كلمة الغباء تعني الحكم المطلق على الفرد بأن ذكاءه غير قابل للتطور، في حين، أن قليل الذكاء هي عبارة توحي بأنه بإمكان أي شخص أن يرفع من نسبة ذكائه بالتمرن والتدريب.

عادة، يقع المعلمون والأساتذة وحتى المربون في خطأ شائع، حتى في مدارس ببلدان متقدمة، حيث يتم فصل التلاميذ الأذكياء عن التلاميذ قليلي الذكاء، وهذا اعتقادا بأن قليلي الذكاء قد يؤثرون سلبا على الأذكياء، وهذا التمييز قد لا يكون في صالح الأذكياء بقدر ما يكون في غير صالح قليلي الذكاء، ذلك لأن هذا التصرف يفقدهم الثقة في النفس ويعزز لديهم نسبة الانهزامية والاعتقاد الخاطئ بأنهم أفراد فاشلون وعالة على المجتمع، ما قد يدفعهم لاختيار منافذ أخرى إلى الحياة غير “المدرسة”، والمؤسف أن أغلب هؤلاء يختارون سبلا غير سوية لإثبات أنفسهم في المجتمع والحديث مثلا عن الإجرام.

المفارقة في الموضوع، هي أن كثيرا ممن يتم تصنيفهم على أنهم قليلي ذكاء في المدرسة، يثبتون في “مجالات غير سوية” بأنهم أشخاص موهوبون وأذكياء بل ودهاة، فكثيرا ما فاق “مجرمون ومنحرفون” المحققين وأكفأ العناصر في الأمن في الذكاء، وهنا يتضح لنا بأن التصنيف في المدرسة ليس منصفا في حق أفراد المجتمع، ويتضح لنا بأن التصنيف لم يكن مبنيا على أساس صحيح، ولم يكن التمييز بين هذا وذاك بناء على نسبة الذكاء قرارا سديدا، لأن المدرسة في الأساس يفترض أن تكون مختبرا وورشة يتم فيها التعرف على مكامن الخلل في شخصيات “التلاميذ” والعمل على إصلاح ما يمكن إصلاحه، وتوجيه التلاميذ الممنهج في الحياة بناء على مجال إبداع كل منهم، ويفترض أن يتم العمل فيها على رفع “نسبة الذكاء” لدى التلاميذ قليلي الذكاء من أجل أن يُقذف بهم أفرادا مهيئين ليعول عليهم في المجتمع مستقبلا.

نحن نرى كيف أن التلاميذ في كل العالم يقبلون بكل شغف على التسجيل في مختلف الدورات الخاصة بتنمية الذكاء، ودورات تدريب الذاكرة، وقد لاحظنا كيف أن تلاميذ يبدون عاديين في المدارس قد تحصلوا على جوائز في مسابقات “الحساب الذهني والذاكرة” وغيرها من النشاطات والدورات التي تنظمها “جمعيات وهيئات ومنظمات”، وهنا يتضح بأن المدرسة بإمكانها أن ترفع وتطور ذكاء التلاميذ بإقحام مثل هذه النشاطات والدورات والمسابقات في منهاجها تماما كالنشاطات الفنية والرياضية وغيرها، وعندما نتحدث عن تنمية الذكاء فنحن لا نتحدث فقط عن الذكاء المرتبط بالعقل، بل لا بد من تطوير الذكاء الاجتماعي أيضا، وهو الذي عرفه عالم النفس الأمريكي إدوارد ثورندايك بأنه القدرة على فهم وإدارة الرجال والنساء كبارا وصغارا للتصرف بحكمة في إطار العلاقات الإنسانية، وتطوير الذكاء الاجتماعي بنشاطات “مدرسية مخصصة لهذا الهدف” يمكن التلميذ من أن يصبح في المستقبل فردا يقظا، فطنا، قادرا على التحكم في مشاعره وإدارته في إطار ما يسمى بالذكاء العاطفي، محترما ومحترِما للغير، متمكنا في فن حل النزاعات، وبهكذا استراتيجية، يمكن للمدرسة أن تكون فعالة أكثر في تنشئة فرد صالح ومجتمع راق، أي أن تكون المدرسة في حد ذاتها “مختبرا وورشة إصلاح للتلاميذ ومصنعا لأجيال إن لم تكن متناسقة ومتطابقة فمنسجمة مع بعضها على الأقل” بحيث لا تدع مجالا لظهور شروخات في المجتمع.

حمزه لعريبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.