
بقلم: عبد الله لالي
الحلقة الأولى (01):
هذه الرواية للكاتب التونسي نور الدين بن بوبكر وهي رواية لليافعين، وتعد روايته الرابعة في سلسله (مغامرات حسّان) وكان قد كتب قبل ذلك ثلاث روايات بطلها (حسّان) وهي رواية (حسان وحارس الكنز) و(عفوا أيّها الجبل) و(أحبّك يا أرض)، كنت كتبت عنها دراسات نقدية مفصلة وعميقة، هذه الرواية أيضا تتحدث عن مغامرة يقوم بها الفتى حسّان في الفضاء، ويمكننا اعتبارها من نوع روايات أدب الخيال العلمي وهي الثانية في هذا المجال إذا سبقتها رواية أخرى بعنوان (أحبّك يا أرض)، وهي روايته الثالثة في هذه السّلسلة.
رأى الكاتب هذه المرة أن يسمي هذه الرواية(قصة)، ربما نوعا ما بسبب قلة عدد صفحاتها،إذ هي في حدود 60 صفحة ولا أرى أي مانع من تسميتها (رواية) فهي موجهة لليافعين، وفي هذه الحال يعتبر عدد الصفحات كافيا،وقد صدرت عن دار علي بن زيد للطباعه والنشر (الجزائر/ بسكرة)، في طبعه جميلة وأنيقة وإخراج جيد، تتحدث هذه الرواية مرة أخرى عن مغامرة الفتى حسّان مع أحد رجال الفضاء الذي يهبط فجأة على مزرعة جده في الريف، حيث كان في رحلة استجمام واكتشاف للرّيف، وبعد توجس وخوف ورهبة شديدة في البداية، يزول هذا الخوف والتوجس شيئا فشيئا ويتعرف حسان على المخلوق الفضائي الذي يبدو له أنه طيب لأنه مسالم ويحب المغامرة والاكتشاف مثله، ويقنعه بالانطلاق في مغامرة أخرى نحو الفضاء وتبدأ هذه المغامرة بزيارة للقمر ذلك الكوكب التابع للأرض حيث يكتشف كثيرا من أسرار القمر، ويقول حول ذلك:
“غياب المعادن اللّازمة التي يحتاجها تكوّنُ الماء يجعل عيشَ الإنسان على سطح القمر مستحيلا. كما أنّ البخار سرعان ما يتعرّض لعملية الانحلال الضوئي بسبب أشعة الشّمس فيضيع في الفضاء بسرعة. قد يكون الماء موجودا في شكل جليد داخل الفوهات التي رأيتَها قبل قليل، وعلماء كوكب “تاراسيــن” يخطّطون للقيام بزيارة مطوّلة على سطح القمر قريبا للتأكّد من ذلك.”
ثم تستمرّ الرّحلة نحو الفضاء الفسيح، فيصلان إلى كوكب الزهرة ولكنهما لا ينزلان على سطحه لخطورته، ويقول عن ذلك في ص30:
“رغم مظهره الودود الذي يأسر كلّ من يتأمّل السّماء ليلا، ورغم سحبه الرائعة التي تعكس أشعّة الشّمس بسبب كثافة الغلاف الجوي فيه، فإنّ هذا الكوكبَ لدودٌ عاصفٌ جدّا ذو رياحٍ شديدةٍ ودرجةِ حرارةٍ عاليةٍ بسبب قربِه من الشّمسِ، تكسوه سحابة كثيفة من الغازات السّامّة تخفي سطحه عن الرؤية وتحتفظ بكميات هائلة من حرارة الشّمس، هواؤه ضارّ للإنسان وللفضائيين على حدّ السّواء، وسطحه مرصّع ببراكين نشطة ثائرة ما تزال تتفجّر بين الحين والآخر، لا ترحّب بأيّ زائر ولا تقبل أيّ غريب. الزُّهــــرة ترفض عيش أيِّ كائنٍ فوقها”
- ويصلان إلى عطارد وكوكب المشتري ثم زحل وأورانوس ونبتون وبلوتو واستمرت الرّحلة إلى غاية زيارة كل كواكب المجموعة الشمسيّة، وبعدها العودة إلى الأرض، وكانت خلاصة هذه الرحلة ما جاء على لسان حسّان من ص 46:” هذا الكونَ معقّدٌ جدّا، وقد يراه بعضهم غير منتظمٍ وتعترِيه فوضَى عارمةٌ، ولكنَّ ما رأيتُه من اِنسجام في حركات الأقمار والكواكب والنّجوم غيّر رأيي، وأيقنتُ أنّ في هذه الفوضى نظامًا متقنًا لا يقدر على تسييره إلّا خالق عظيم، فكلّ جسم يسبحُ في فَلَكِه ولا يحيد عنْ مساره الذي رسمه له الله.”
يقدّم كذلك الكاتب في صفحه 22 وفي غيرها من الصفحات كثيرا من المعلومات العلمية عن الفضاء وعن الكواكب وعن المجرّات وعن كثير من الأجرام السماوية ومنها قوله من صفحه 22 أيضا:”أظهرت الصور أنّ طبقات عطارد الخارجية متفحمة ومتجمدة بسبب قربه من الشمس ومليئة بالندوب والحفر بسبب ارتطام أجسام ضالة، على سطحه فوهات بركانية عديده ونشاطها جليل نتج عنها تشكل التضاريس المختلفة، من سلاسل جبلية وسلاسل سهلية ناعمة ووديان ومنحدرات ”
عتبات القصّة:
كان العنوان هو العتبة الأولى (زائر من تاراسين)، وتظهر أهمية العنوان في لفظة (زائر) التي توحي غالبا بالغرابة والإبهام لاسيما عندما جاءت هذه اللفظة بصيغة (النكرة)، ثم تأتي اللفظة الثانية (تاراسين) لتزيد العنوان غرابة وإبهاما، ما يجعل المتلقي يُستثار لمعرفة ما وراء هذا العنوان الغريب، وهو نوع من الإبهام المقصود الذي يكون عتبة دافعة للكشف عما وراءها.
اعتمد الكاتب كذلك على مجموعه من العناوين الفرعية التي بلغت ثلاثة عشر عنوانا،ليسهل على القارئ الانتقال من مرحلة الى مرحلة ومن مغامرة إلى مغامرة وجعل هذه العناوين عناوين جذابة، نذكر منها : (في ضيافة جدّي/ زائر غريب/ قمر الأرض/نجم الصباح ونجم المساء/ جار الشمس..)، هذه العناوين تجعل من النصّ القصصي الطويل نسبيا، نصّا مجزءا إلى مشاهد حيّة كأنها مسلسل مغامرات متتابعة.
الفضاء الزماني والمكاني:
الروائي المحترف هو الذي يحسن توظيف الفضاء الزماني والمكاني بطريقة تجعل منهما كائنين حيين، يداعبان خيال القارئ ويستثيران عواطفه، وإضفاء الخيال على هذين العنصرين يضاعف من ذلك التأثير المتوقّع على القارئ، ويزيده تشويقا، وقد تجلّى هذا الفضاء في بعدين كبيرين، البعد الأوّل هو الفضاء المكاني للأرض، أي كوكب الأرض وما يتميّز به من خصائص، مثل جمال الحياة وروعة الريف (في مزرعة الجدّ)، والبعد الثاني هو البعد الفضائي الذي تمثل في المجموعة الشمسة التي كانت هدف رحلة حسّان هذه المرّة.
وهناك فضاء وسيط أو جزئي وهو المركبة الفضائية التي استخدمها الكاتب لسرد أحداث القصّة (المغامرة) من خلالها، وكانت المركبة مجرّد وسيلة نقل إلى الفضاء الخارجي ولم يسهب الكاتب في وصفها، وإنما يشير إلى بعض مكوناتها من حين إلى آخر عند استدعاء الحاجة.
يُتبـــع…