ثقافة

لأديب الأطفال التونسي نور الدّين بن بوبكر

قراءة في رواية (زائر من تاراسين(.

بقلم: عبد الله لالي

الحلقة الثانية (02(:

شخصيّات الرواية:

في رواية زائر من تاراسين لكاتب الأطفال نور الدّين بن بوبكر؛ نجد شخصيتين اثنتين هي: بطل السلسلة (بطل الرواية) حسان والزائر الفضائي الذي أتى في مركبة فضائية غريبة إلى الأرض والتقى

بحسّان في مزرعة جده صدفة، وحسان معروف من خلال السلسلة (مغامرات حسان) بأنه فتى صغير يحب المغامرة ويحب الاكتشاف والتعرف على مظاهر الكون المختلفة، أما الزائر الفضائي الغريب فقد وصفه حسّان كالمعتاد بالوصف المعروف والمألوف عن الفضائيين، حيث جعله ذا لون أخضر ورأس ضخم وعيون بارزة ليس لها بؤبؤ، وهو وصف معتاد ومألوف يقول الكاتب من ص 09:

” ويخرج منها كائن غريب قصير القامة أخضر اللون ذو رأس بيضوي ضخم مشى رويدا رويدا وهو ينظر يمينا ويسارا كأنه تائه، بقيت أراقبه حتى انصبت نظراته علي ورمقني بعينين واسعتين لا بؤبؤ فيهما” تمنينا في هذه الحالة لو أنّ الكاتب المبدع نور الدين بن بوبكر أنه غيّر في هذا الوصف، وأضفى على الكائن الفضائي بعض الصفات الجديدة الذي لم يألفها القارئ من القصص العلمية المشهورة. أو من الأفلام التي يشاهدها الأطفال في الفضائيات.

ونلاحظ أيضا على رواية (زائر من تاراسين) أنها اقتصرت على شخصيتين اثنتين، ولهذا الاختيار في محدودية الشخصيات إيجابيات وسلبيات فمن إيجابياته أن يظهر بطل القصة بشكل قوي وواضح يدركه القارئ ويميزه من الوهلة الأولى، كما يلاحظ البطل المرافق له (الفضائي) ويتعرف على صفاته وتفاصيل شخصيته ومميزاتها إلا أنّ أحداث القصة تميل إلى حد كبير أن تكون أقرب إلى النص المسرحي، إذ يشيع فيها الحوار بشكل كبير وهذا ربما من بعض سلبيات هذا النوع من الاختيار في شخصيات الرواية (الثنائية) القصصية فغالبا الرواية القصصية يحبذ فيها أن تكون متعدده الشخصيات متنوعه الأبطال، لاسيما قصص الأطفال، وبالمقابل كثرة الشخصيات بشكل مسرف  يشتت تركيز القارئ ويربك تفكيره على أحداث الرواية وتحديد أبطالها الأساسيين بشكل دقيق. هذا مع وجود شخصيّة ثالثة (ثانوية) هي شخصيّة الجدّ التي بدأت الظهور في الأحداث بشكل قويّ لكنها سرعان ما اختفت بعد ذلك.

كما أنّ هناك مَلحظا آخر كان من المفترض أن أذكره في الفضاء المكاني، ولا بأس أن أذكره هنا، وهو (كوكب تاراسين) الذي جاء منه الزائر الفضائي، فكان يفترض أن يقصده الكاتب في رحلة حسّان، أو يعطيه بعض المجال للحديث عنه بشكل مفصل قليلا، لكنّ الكاتب أشار إليه إشارات طفيفة، ثم جعله فضاء هامشيا لا قيمة له، رغم أنّه يتصدّر جزءا من عنوان الرواية، وأثناء القراءة كنت أنتظر متى يصل حسّان مع الفضائي إلى كوكب تاراسين، وكذلك لم يعطِ الكاتب اسما للفضائي كما فعل في روايته (أحبّك يا أرض)، ولو أعطاه اسما جذابا أو مثيرا لكان أجود لعملية التشويق والإثارة الفنيّة.

البناء الفني في الرواية:

اللغة والأسلوب

من حيث اللغة والأسلوب فقد تميزت لغة هذه الرواية مثل كل روايات الكاتب نور الدين بن بوبكر بأسلوبها السلس الجميل المتناسق الذي يعتمد على ألفاظ مألوفة ومعتادة لدى القارئ (الطفل)، بحيث يجدها في بيئته المنزلية والمدرسية والأماكن الثقافية والإعلامية المختلفة التي يعيش فيها ذلك الطفل، ورغم ذلك هو يطعمها كما ذكرنا في قراءه سابقة ببعض الألفاظ المهمة من عالي اللغة العربية بهدف تعليم الطفل والرفع من مستواه اللغوي وإثراء معجمه اللفظي، ومن أمثلة ذلك هذه الألفاظ الرائعة (أتماثل/ الوارفة/ أنعمت النظر/ الفلاة/نخرت /الفاحمة /زفبفا /وجيب..) ولا ننسى هنا أن نشير إلى أنّ الكاتبَ أستاذ ومربٍ يمارس مهنة التعليم، وهو بذلك يقوم بدوره الطبيعي في تعليم النشء اللّغة ممزوجة بالمعرفة والقيم.

اللغة العلميّة:

حفلت الرواية بمصطلحات اللغة العلمية، إذ شحنها الكاتبة بها شحنا لأنّ الهدف الأساسي فيما يبدو هو أن يتعرّف الطفل (المتعلّم) على المجموعة الشمسية من خلال هذه الرواية، وفعلا كانت الرّحلة عبارة عن محطات يتوقّف فيها الكاتب عند كواكب المجموعة الشمسية، ويتحدث عنها بإيجاز أو إسهاب علمي مركز، فذكر كوكب عطارد والمشتري وزحل ونبتون وبلوتو والمريخ وأورانوس، كما جاء ضمن السّرد الروائي كثير من المصطلحات العلمية الهامة، التي تزيد في المحصول العلمي للقارئ (المتعلم) نذكر منها: (الشريحة/برقاقات غنيّة بالدّهون/ الحزام الإشعاعي/نطاق من الجسيمات المشحونة النّشطة/ رياح شمسية/ الطيف المرئي..).

وحفل أسلوب الكاتب كذلك بالمجاز بشكل كبير وذلك من فيوضات موهبته الشعريّة، ونسوق أمثلة على ذلك، مثل قوله “الفضاء الخارجي يتّشح بالسّواد” في هذه العبارة قوة أسلوبية دافقة نبعت من جعله الفضاء مثل الإنسان (يتشح بالسواد) وكأنه يلبس رداء أسود.

وقوله في ص33:  “هل يمكننا أن ننيخ بهذا الكوكب الشّاسع قليلا لعلّه يستقبلنا بحفاوة لم نجدها على سطح الكواكب الأخرى”.

استخدم الكاتب لفظ الإناخة في التوقف بالمركبة الفضائية، وهذا في قمة  توظيف المجاز بحيث مثل المركبة بالبعير الذي ينيخه الإنسان قبل النزول منه، وهو أجمل من قوله المعتاد “نوقف المركبة”.

وتمضي الرواية في كلّ تمفصلاتها في استخدام الأسلوب المجازي للتعبير عن مشاهد من أحداث الرحلة، فيزيدها هذا الأسلوب ألقا وجمالا.

ولم يكتفِ الكاتب بذلك الأسلوب الرائع بل سعى أيضا إلى تنميق روايته ببعض الأبيات الشعريّة التي هي من إبداعه الخاص ليصف بها بعض كواكب المجموعة الشمسيّة، ومنها قوله ص33:

ذا المشتري في سيره لا يفتر * * يمشي بعيدا لا يكل ولا يلوي

حين تراه ساطعا من أرضنا * * يغري أناسا تسهر الليل البهي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.