
الشعر من أكثر الفنون الأدبية تأثيرا في النّاس، وهو أول الفنون التي يسعى المبدعون إلى امتلاكها ويتمنون القبض على ناصيتها، وقد شاع الشعر بين العرب وذاع واشتهر على ألسنة الناس أكثر من شيوع الفنون الأخرى، مثل القصّة والخطابة وسجع الكهان وغيرها.
ولذلك كلّه كان الشعراء أمراء البيان بلا منازع، وكان الشاعر بمرتبة سفير مفوّض يتحدّث بلسان القبيلة ويعبر عن رأيها وضميرها ويحفظ بيضتها ويصون عرضها ومجدها، وصار الشعر ديوان العرب، أي كتابهم الذي فيه تاريخهم ومآثرهم وكلّ ما يحمد لهم ويفتخرون به، وكان الشاعر إذا نبغ في قبيلة احتفت به ورفعت رأسها عاليا، وإلى اليوم يحلم المبدعون أن يكونوا شعراء، فكيف يكون الإنسان شاعرا..؟
الشعر روح خفي يصعب تحديد ماهيته وطبيعته بدقة تامة، ولا كيف يتنزل على الإنسان، وأهم شيء في الشعر أنّه موهبة لا يملكها كلّ النّاس ولا تتاح لأي كان، بل هي منحة ربانية قد يحسن بعض الناس استغلالها ويسيء آخرون ذلك، وقد قال الشاعر:
ولولا خِلالٌ سنّها الشعر ما دَرى * * بُغاةُ العلا من أين تُؤتى المكارمُ
يُرى حكمةً ما فيه وهو فكاهةٌ * * ويُرضى بما يَقضي به وهــــــو ظالم
ولكن الموهبة وحدها لا تكفي لقول الشعر، فعلى من رأى في نفسه استعدادا لقول الشعر وشعر بموهبته تبرز من بين جوانحه عليه أن يحفظ من أشعار العرب، ما يقويّ به هذه الموهبة ويمرنها على الظهور بقوّة ومتانة كبيرة، فحفظ الشعر يكون رافدا كبيرا لصاحبه ومعينا يغرف منه في كلّ لحظة، ثم عليه أن يخوض في كلّ فنون الشعر بجسارة وجرأة كبيرة حتى يسلس له قياده ويملك زمامه، وقد رأينا كثيرين ممن يودون قول الشعر وليس لهم موهبة فيلجأون إلى ما يسمى (الشعر الحرّ) ولا نقصد به شعر التفعيلة فهو على أيّة حال شعر موزون وله ضوابط وقواعد، ولكن نقصد به ما كان نثرا هو بالخواطر أشبه، ويدّعي أصحابه أنه شعر حرّ أو نوع من الشعر الجديد، وما هو بالشعر، ولكن يرضي غرور من لا موهبة له في الشعر.
بقلم: عبد الله لالي