العمود

كيان موازي

وجب الكلام

إن ما هو واضح وجلي هو أن الحراك لم يعد فاصلا بين زمن بتوقيت العصابة وزمن بتوقيت الأمل في التخلص من العصابة وبقايا العصابة والتخلص من الفساد فحسب، بل إن الحراك قد بات فاصلا بين اعتقاد شعب وحقيقة كانت نوعا ما خفية أو ربما مخفية، فأغلبية الشعب الجزائري قبل الحراك كانت تظن بأن الجزائريين يواجهون خصما يتمثل في “عصابة من المسؤولين والمسؤولين السامين والنافذين” الذين عاثوا فسادا في البلاد على كل الأصعدة، وكانت أغلبية الشعب الجزائري تعتقد بأن الجزائريين يواجهون عصابة “مهيكلة في نظام سياسي معين” عرقل عملية النهوض بالبلاد في كل المجالات، غير أن الحقيقة التي صدمت الجزائريين من وجهة نظرنا والتي اتضحت ملامحها بعد الحراك هي أنه وبالإضافة إلى “العصابة ” هناك “كيانا موازيا” للدولة الجزائرية يعمل بنفس مبدأ عمل “داء السرطان” أي أن مهمته الانتشار والإصابة من الداخل؛ المعلوم في الجزائر، هو أن أغلبية الجزائريين باختلاف “مناطقهم وولاياتهم” وحتى باختلاف ثقافاتهم وميولاتهم السياسية وحتى الإيديولوجية يشتركون في قناعة أن “مشاكلهم” نفسها، ويشتركون في قناعة أن مصيرهم واحد ويشتركون في قناعة أن معاناة الجزائريين في الشرق هي نفس معاناة الجزائريين في الغرب والشمال والجنوب، ويشتركون في قناعة أن الجزائريين هم ضحايا سياسات فاسدة وضحايا عصابة وبارونات يعيشون في جلباب العصابة، ولكي نختصر بعد الإطالة فنقول بأن الجزائريين “الطبيعيين” يجمعهم التاريخ ويجمعهم الدين باختلاف مذاهبهم وتجمعهم اللغة باختلاف لهجاتهم وتجمعهم الهموم بختلاف مآسيهم وتجمعهم الأهداف باختلاف طموحاتهم وتجمعهم النوايا باختلاف تطلعاتهم وتجمعهم الغايات باختلاف كفاءاتهم وتجمعهم حتى “التفاصيل الصغيرة” التي لا يمكن لجزائري أن يزايد فيها على جزائري آخر، لكن “الطفرة” التي كشفت سرا من الأسرار التي دفعتنا لأن نعتبر الحراك فاصلا بين الاعتقاد والحقيقة هي أن هناك أطرافا “جزائرية” لا تربطهم في نظرنا بالجزائر سوى الجنسية للأسف، وهاته الأطراف لا يعجبها أن تشارك الجزائريين في همومهم بل إنها تبحث دائما عن الأفضلية والأولوية في كل المجالات، ولا يعجبها أن تشارك الجزائريين في مصيرهم بل إنها تدعو وتفكر وتناضل باستماتة لأن يكون مصيرها “مستقلا عن مصير الجزائريين”، ولا يعجبها أن تكون لونا ثقافيا وحضاريا في فسيفساء الثقافات والحضارات التي تسهم في إثراء الإرث الثقافي والحضاري الجزائري بل إنها تسعى لأن تفرض ثقافتها وتطمس بها الثقافات كما لا يعجبها أن تكون الجزائر موطن اختلاف الألسن واللهجات بل إنها تسعى لأن تفرض لهجتها فوق “اللغات”، وعادة، فعندما تكون هناك خلية “غريبة” في الجسم ترفض أن تتقاسم مع بقية الخلايا طبيعتها وخصائصها بل وتعمل على أن “تنتشر” رغم ذلك فذلك ما يعني بأنها خلية سرطانية، هذا في علم الأحياء أما في علم الدولة والسياسة فكل طرف في حدود “الدولة” يرغب في فرض منطقه على منطق “الدولة الرسمية” يسمى كيانا، وأي تنازل عن مبدأ من مبادئ الدولة ومقدساتها أوقانون من قوانين الدولة وقيمها إرضاء لهذا الكيان “الموازي” يسمى تطبيعا، والمنطقي أن الدولة الرسمية من تفرض نفسها وخصائصها على الكيانات الموازية لا التكيف معها، فالجسم السليم من تفرض فيه الخلايا السليمة نفسها على الخلية السرطانية أما في حال حدوث العكس فسلاما على “الجسم”.

حمزه لعريبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.