
كنت تلميذا في الثانوية حين أقرت وزارة التربية إدراج حصة “الإعلام الآلي” في المنهاج التربوي، وكنت مهووسا بالكمبيوتر الذي تعلمت مبادئه في مقاهي الأنترنت قبل أن تجلب لنا المؤسسة عددا من الحواسيب التي كنا نتداول عليها بما مقداره ربع ساعة للتلميذ، ولأنني كنت أنانيا نوعا ما، فلم يكن ربع الساعة يكفيني، فاضطررت لأن أقوم بتشفير الحاسوب في نهاية الحصة، وظل الحاسوب مشفرا لأسبوع كامل، وعندما حل موعد قسمنا مع حصة الإعلام الآلي استفسرت شخصيا، وبكل براءة عن سبب “وضع أحد الحواسيب خارج الخدمة”، وكانت إجابة الأستاذة أكثر براءة بالقول أنه “مشفر”، وأضافت قائلة “مزال ما داوهش يتريبارا”، فاقترحت تشغيله ومحاولة فك الشيفرة، وذلك الذي حدث فعلا، فقد سمحت لي بالمحاولة فأدخلت كلمة السر التي كنت قد أغلقت بها الحاسوب الأسبوع الماضي، وكانت مكافأتي أنني انفردت بالحاسوب طيلة ساعة كاملة في حين كان زملائي يتداولون على بقية الحواسيب، كيف لا وأنا من قمت بحل مشكلة “خروج حاسوب عن الخدمة” وجنبت المؤسسة عناء “نقله إلى خارج المؤسسة للصيانة”.
أعترف اليوم وأنا أتابع الشأن العام في البلاد بعين “الصحفي والمحلل” بأنني كنت تلميذا بعقلية “مسؤول”، وهذا بعد لاحظت كيف أن مسؤولين قد باتوا يتباهون “بحل مشكلات” إن لم يتسببوا شخصيا فيها، فلا مبالاة سابقيهم من كانت سببا فيها، معنى هذا أن المهام التي يقوم بها بعض المسؤولين في إطار “الواجب” قد باتت تسمى “إنجازات”، وللتوضيح أكثر، فحين يكون “المسؤول لامسؤولا”، ثم لا يقوم بواجبه ويأتي بعده مسؤول فيقوم بواجبه “لا أكثر” فإن كل ما يقوم به يسمى “إنجازات”، ليس لأن ما قام به خارق للعادة، أو “من جيبه الخاص”، بل لأن سابقه قد كان مسؤولا بمستوى تحت الصفر، ولهذا فإن بلوغ مستوى الصفر في نظر “البعض” يعدّ إنجازا عندما يكون الانتقال “بالواجب” من تحت الصفر إلى الصفر.
إن عودتي بالحاسوب من وضعه غير الطبيعي إلى وضعه الطبيعي قد كان إنجازا في نظر الأستاذة، وهكذا حظيت بامتيازات لمجرد أنني خلقت مشكلة فأوجدت لها حلا، وهذا ما جعلني اليوم أشبه نفسي “كي كان عمري تحت العشرين” بمسؤولين “فوق الأربعين” وهم يعتقدون أو بالأحرى يصورون “واجباتهم الطبيعية” أو “عودتهم بالوضع إلى المستوى الطبيعي” على أنها “إنجازات”.
حمزه لعريبي