
صارت المداخيل والرواتب الخاصة بمستخدمي قطاع التربية والتعليم معروفة لدى العام والخاص، لكثرة النقاش حولها والتحليل والتصريف وأخيرا “الكشف عنها” للرأي العام الذي ظل في زمن مضى يتساءل عن راتب المعلم واتهمه بالتهام الخزينة واعتبره السبب في إفلاس هذه الأخيرة، رغم أن هذه الفئة تعد الأكثر ترديا من حيث الرواتب والخدمات الاجتماعية وغيرها، وربما حان الوقت ليرد لها الاعتبار.
وقد جاء رد الاعتبار أمام الملأ العظيم بالتفاصيل المملة لتتصدر مسألة “رواتب وزيادات” الأساتذة والمربين صفحات الجرائد، وتنال الاهتمام الأكبر ليكون كل شيء على المكشوف لدرجة صار فيها الفرد صاحب حق على أسرار غيره، فتجده يتساءل عن مداخيل ورواتب الآخرين فيحلل ويناقش أسلوب حياتهم وينظر لهم نظرة حسد وكله بفضل الإعلام الذي خاض في مثل هذه المواضيع بشكل مبالغ فيه.
ولم يعد يهم الفضوليين في الحياة والمتخصصين فيها غير معرفة هذه المعلومات التي لا تمت بهم بصلة، فلا صاحب المال عرف البركة والراحة في صرف ماله وتسيير أموره ولا المتتبع لأخباره نال من هذه الأموال شيئا، لدرجة صارت فيها حياة الناس أشبه بالكتب المفتوحة والقصص المفضوحة، فلا تمر مداخيل ولا زيادات ولا منح إلا والمتتبع لحياة الناس على علم بها .
فلم يتبق من سرية الحياة الأسرية شيء بل صارت كل التحركات على المكشوف، مثلها مثل الرواتب والمقتنيات وما تم إضافته للبيت من أثاث ومستلزمات، بل العكس صار الجار يجرم جاره والقريب يلوم قريبه على اعتماده السرية في قضاء الحوائج حتى تعود الطرف الثاني على الأمر وصار يبحث لنفسه عن مبرر كل مرة، ما جعلنا بعيدين كل البعد عن التعاليم الدينية وعن الأخلاق الأصيلة وحتى عن العادات والتقاليد، وأفسد علينا حياتنا ظاهرها وباطنها.
نوارة بوبير