
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال: ” الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائمٌ مَرَّتَيْنِ.. ” أخرجه البخاري.
قال صلى الله عليه وسلم: ” الصيام جنة “، قال ابن الأثير في “النهاية”: معنى كونه جنة، أنه يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات فالصيام حجاب يتستر به الصائم؛ حتى لا يعبث به هواه، فيرديه في المآثم التي توعده الله عليها بالنار، فيكون الصيام حجابا من النار بواسطة أنه يقيه من الشهوات، وهذه إذا سلم من تأثيراتها لم يشمله الوعيد، وتسربل بحجاب الأمن من العذاب.
ولا يبعد هذا إذا قلنا: إن الصائم في عبادة خالقه ما دام متحليا بصفات القانتين، صاعدة نفسه في مراقي الكمال، متطلعة إلى عالم الملائكة، متصفة بأخص صفاتهم التي تكون للمرء نعم الساتر بينه، وبين سائر المهلكات.
فجاء الترتيب ينادي بأن من كانت تلك صفته، لا يرفث، ولا يصدر منه الفحش، ولا يجل بارتكابه ما هو من أفعال أهل الجهل والأهواء، ولا يجادل بغير علم وهو مصداق قوله: ” فلا يرفث، ولا يجهل “، والرفث: منكر في الفطر والصيام، وهو من الصائم أشد لأن حالة العبادة تنادي بالابتعاد عن المخاطر، وإلا أوشك أن يخرج منها الصائم، وهو خاسر الصفقتين.
وكما أنه لا يتعدى على غيره، لا يجاري أهل الدعارة في قبيح فعالهم، ” وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل إني صائم مرتين “، وهذا من الحديث مثال ثان لخلق الصائم، الذي دأبه مرضات الله – عز وجل – لا يخضع لما تمليه عليه إرادته منَ الانتقام لنفسه؛ بل يكون مثالا ليقتدي به مَن لا خَلاق له، فيرده عن غيه بلطيف قوله، وكفى بتذكيره بالصيام واعظا، وأنه في عبادة ربه الذي لا يخفى عليه ظلم كل معتد أثيم، وأن العابد يتنزه أن يلوث نفسه بالخطايا وينقض غزله، وهو لا يشعر.
وأن من تحريف الكلم عن مواضعه، أن يقول الإنسان هذا القول في مقام الاعتذار عما يرتكبه.