
إلى وقت ما، كانت شعوب العالم الثالث تعتقد بأن “الفساد” يقتصر على ما يحدث من ممارسات في بلدانهم، وكانت هذه الشعوب تنظر إلى ما سمي “بالدول المتقدمة” من دول الغرب وبلدان أوروبية على أنها “دول فاضلة”، أي أنها بلدان تضمن العدل لشعوبها وتضمن “الاستقامة” في مختلف الهيئات والمنظمات، حتى أن الاعتقاد السائد هو أن كل حدث “يخرج من إطار العالم الثالث” إلى العالم المتقدم هو حدث تسوده الشفافية وتكرس فيه النزاهة إلى أبعد الحدود، وعلى سبيل المثال، فالبطولات الرياضية التي تقام في دول العالم الثالثة، كان يشكك في نتائجها في حين أن البطولات التي تنظمها دول “أوروبية وغربية” هي بطولات لا يمكن التشكيك بأي حال من الأحوال في نتائجها، ساد هذا الاعتقاد حين كان التلفزيون وسيلة إعلام وحيدة.
اليوم، وعندما نلاحظ ما يحدث في هيئات أممية، وعندما نمعن تحليل المعطيات فإننا نكتشف بأننا كنا مخدوعين طيلة سنوات مضت كجيل، وطيلة عقود مضت كأجيال، أي أن الفساد لم يكن حكرا على “بلدان العالم الثالث” بل إنه كان متفشيا في كل مكان في العالم، لكن، باعتبار أن الإعلام قد ركز على الفساد ضمن “محيطنا القريب” فإن ذلك ما ساهم في ترسخ اعتقاد “من زاوية واحدة”.
لطالما كنا كجزائريين نتعرف على نتائج الانتخابات، رئاسية كانت أم تشريعية أم محلية، حيث نتعرف على “الرئيس الفائز وعلى الحزب الفائز” حتى قبل إجراء الانتخابات، لأن التزوير قد كان “تقليدا” والمزور من أجله “معروفا” لا يحتاج لاجتهاد أو تحليل معمق لمعرفته، ولطالما ربطنا ما يحدث “بالجزائر”، لكن، بمرور الوقت، ومع توسع نظرتنا الواقعية للأمور، اتضح لنا بأن ما يحدث من “تزوير” ومن قلب للحقائق ليس أمرا يقتصر على الجزائر، ولا على بلدان إفريقية وبلدان في العالم الثالث، بل حتى فيما يسمى بالدول المتقدمة قد بات يعرف الفائز قبل “المسابقة”، وآخر ما حدث أن فاز اللاعب الأرجنتيني “ليونيل ميسي” بالكرة الذهبية الثامنة في تاريخه، وهذا ما كان معلوما للملايين من عشاق كرة القدم قبل الإعلان عن الفائز، نفس الشيء حدث في هيئة الفيفا، فقد بات من الممكن معرفة اسم الفائز بتنظيم “كأس العالم” قبل الإعلان، وهذا ما يعني بأن الفساد قد طال أغلبية الهيئات في العالم، أما درجته فهي تختلف من “هيئة لأخرى” بحسب قدرة كل هيئة على “تحصين نفسها” إعلاميا.
حمزه لعريبي