
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال يا محمد أقرأ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان غراسها سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر ” رواه الترمذي
قوله: ” لقيت إبراهيم عليه السّلام”: وهو في محله من السّماء السّابعة، مسنِدا ظهرَه إلى البيت المعمور كما في الأحاديث الصّحيحة.
” ليلة أسرى بي “: يعبر كثيرا عن المعراج بالإسراء إما لأنه سير إلى السماء، أو يعبر عن أحد السفرين بالآخر.
– ” أقرئ “: أمر من الإقراء، قال في “اللّسان”:” أقرأه إيّاه: أبلغه، ويقال: أقرِئْ فلانا السّلام، و اقرأ عليه السّلام، كأنّه حين يبلّغه سلامه يحمله على أن يقرأ السّلام ويردّه “.
– ” أمّتك “: هي أمّة الإجابة، والمصلّي يردّ هذا السّلام بأكثر ممّا هو عليه؛ إذ هو يصلّي على إبراهيم عليه السّلام في كل صلاة.
– ” طيّبة التربة “: وترابها المسك والزّعفران ولا أطيب منهما.
– ” عذبة الماء “: أي ماؤها طيب لا ملوحة فيه، ولا يتغيّر بطول المكث كماء الدنيا، كما قال تعالى:{فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: من الآية15].
وإذا كانت تلك التربة طيبة، وماؤها عذب، كان الغراس أطيب، لا سيما أن الغرس هي الكلمات الطيبات، وهن الباقيات الصّالحات.
والمعنى: أعلِمْهُم بأنّ هذه الكلمات ونحوَها سببٌ لدخول قائلها الجنّة، إذ ما يُعِدّ الله له أشجارها إلاّ وهي في انتظاره.
– ” قيعان “: بكسر القاف، جمع قاع، وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر، كقوله تعالى:{فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفا} [طـه: من الآية106].
فإن قيل: إن الحديث يدل على أن أرض الجنة خالية من الأشجار والقصور وهي إنما سميت جنة لأشجارها المتكاثفة.
فهناك جوابان:
الأول: أنها كانت قيعانا، ثم إن الله تعالى أوجد بفضله فيها أشجارا وقصورا بحسب أعمال العاملين، لكل عامل ما يختصّ به بسبب عمله.
الثاني: قال القاري رحمه الله: لا دلالة في الحديث على الخلو الكلي من الأشجار والقصور، لأن معنى كونها قيعانا أن أكثرها مغروس، وما عداه منها أمكنة واسعة بلا غرس لينغرس بتلك الكلمات.
وهذا أصوب، لأنه ثبت في الحديث الذي رواه الدارقطني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ” لَمْ يَخْلُقْ اللهُ بِيَدِهِ إِلاَّ ثَلاَثاً، خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ جَنَّةَ الفِرْدَوْسِ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ “، فهناك جنان غُرست بيده تعالى، وبعضها بأمره، وبعضها بفضله لعمل العباد.