العمود

عصر التفكك

بصراحة

في البداية، كان البشر كغيرهم من المخلوقات، يعيشون فرادى فكان الواحد منهم يطغى على الآخر بما أوتي من قوة، فساد منطق الغاب حيث القوي يأكل الضعيف، وتدريجيا، أدرك بنو البشر أنه من الضروري أن يعيشوا في جماعات، فتطورت علاقة القرابة من علاقة الابن بأبيه وأمه وأخوته إلى علاقة بين الفرد وأبناء نسبه ثم أبناء قبيلته فعشيرته، وهكذا تطورت المجتمعات فتشكلت الحضارات لتنشأ الدول كظواهر يختلف الكثيرون في تعريفها ويتفقون على أنها مجموعة أفراد يعيشون ضمن إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي، وبالحروب توسعت بعض الدول وضمت إلى حدودها مساحات أخرى، وبالمختصر، يمكن القول أن العالم قد بلغ ذروة التوسع في إطار مفهوم  الدولة.

اليوم، نرى بأن ما يحدث في مختلف مناطق العالم هو عملية عكسية لما حدث في عصر التوسع، أي أننا نشهد اليوم وسنشهد عصر التفكك، والمؤسف أن عديد الدول العربية والإسلامية ستكون بمثابة نقطة الانطلاق لهذا العصر، ولعل ما يحدث في سوريا لأبسط مثال، حيث كانت ضحية لما يسمى الربيع العربي، وثمة كانت البداية، حيث تمت زعزعة استقرارها كدولة سيدة، وكدولة كاملة الأركان، فتحولت إلى “بؤرة صراع” بين القوى والكيانات، والنهاية، كانت بسقوط الدولة السورية بسقوط ركن “السلطة” و”السيادة”، وباتت تسير في مرحلة “سقوط ركن الإقليم”، وذلك ما تؤكده ملامح التفكك خاصة بعد أن خرج “تركمان سوريا” ليرفعوا علمهم ويعلنوا عن قيام “دويلتهم”، علما أن تركمان سوريا قد كانوا “سوريين” طيلة عقود من الزمن يخضعون للسلطة السورية ويعيشون تحت راية سوريا، واليوم، قرروا أن يستقلوا كثالث أكبر أقلية في سوريا، وعلى الأرجح فإنها الحبة الأولى التي ستسقط من مسبحة الدولة السورية لتتبعها حبات أخرى.

إن استمرت حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وفي الوطن العربي فلن تكون سوريا الوحيدة التي تواجه شبح التفكك، فالعراق أيضا، ولبنان، ومصر وكل الدول التي تضم “أقليات” وطوائف قد تتحول إلى “مشاريع دويلات”، وعندما يسقط حجر “دومينو” فإن كل الأحجار ستكون آيلة للسقوط وفق مبدأ “الأقرب”، لهذا فإنه لا يمكن استثناء أية دولة وأي كيان من التفكك حتى تلك “القوى” التي تعتقد بأنها حاملة مشروع “التفكيك”، وهنا نتساءل، هل يمكن بعد عصر التفكيك أن نشهد عصرا جديدا تتشكل فيه دول جديدة بناء على “العرق والطوائف” لندخل في عصر امبراطوريات جديد؟

سمير بوخنوفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.