عبقريته تتجذر في الإنسانية التي رسمها ومدها بدواوين شعرية، يخلد لوحاته للشعر ويخلد شعره للوحاته، أليس من المذهل أن نجد هذا التناغم بين الصوت الشاعري وبين جمالية اللوحة… !، الروح التي تقدس الذات الإبداعية، عبر عديد الأعمال التي تشكل بصمة الفنان التشكيلي والشاعر “عبد المجيد لمين”.
رقية لحمر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التقيته خلال صالون باتنة المحلي للفنون التشكيلية مع ثلة من الفنانين التشكيليين الذي جسدوا بلوحاتهم متعة فنية وبصرية مدهشة، وعلى رواق اللوحات، كان يشارك الفنانين التشكيليين خبرته ويناقش كل ما له علاقة بالفن التشكيلي، بابتسامة لو جسدت لوحة لكانت “الأمل” الذي ستنشده الإنسانية.
ولعل معرفتي للفنان التشكيلي “عبد المجيد لمين” كان من خلال صديقه الفنان التشكيلي “أحمد خماري” الذي بصم “بالألف” على أنه تحفة فنية نادرة، وباتصالات متواصلة من اجل لقاء هذا الفنان العبقري الذي خلد الإنسانية والطبيعة في لوحاته واشعاره.
ولد عبد المجيد لمين في 16 ماي سنة 1951 بولاية باتنة، بأصول تعود الى منطقة القنطرة”، ببساطته المعهودة والحالمة، يتحدث الفنان عبد المجيد عن ولعه بالفن التشكيلي، رحلته التي قادته تحو عديد الدول الاوربية ونحو تركيا عندما كان شابا، جعله يلتقي بعديد الفنانين الذي مهدوا له الطريق الفني ليكون “فنانا”، يعيد الفنان عبد المجيد لمين ترتيب ذاكرته قائلا: ” منذ صغري كنت مولعا بالفن التشكيلي، سافرت الى بلغاريا والتقيت عديد الفنانين هنالك، ست سنوات كانت كفيلة لأحب هذه المهنة، لكن دراستي وانشغالاتي الكثيرة وضيق الوقت، كل ذلك جعلني أتريث في أن أكون فنانا تشكيلا رغم متابعتي وتأثري بالعديد منهم، وفي سنة 1965 عدت الى الجزائر بدأت العمل كمهندس معماري… للحظة كان الفن يلاعب رغبتي في أن أجسده في لوحة فنية، حدث ذلك برسمي للوحة عن عنابة، ثم أهديتها الى صديقي لرغبته الشديدة في أن تكون له بعد اعجابه أيما اعجاب لها”.
يتخذ الفنان عبد المجيد لمين موقفا فنيا في جعل بيته حاضنا لعديد لوحاته، بورشة يجلس خلالها ساعات طويلة ليجسد لوحاته المتأتية من حب للطبيعة ومن مشاعره الدافقة نحو الإنسانية والمشاكل الاجتماعية وللطفولة أيضا، كما توجد هنالك عديد اللوحات التي احتفظ بها متحف القنطرة ببسكرة، ولم تكن لوحاته لتعكس داخلها الطبيعة والإنسانية فقط، بل كانت ملاذا فنيا للثورة التحريرية المظفرة بعديد الشواهد التي قدمها عن البطولات الجزائرية والجرائم الفرنسية وصولا الى الاستقلال”.
“LA NUIT” لوحة بملامح امرأة غير مكتملة تعاتب البؤس والمأساة
يتحدث الفنان عبد المجيد لمين عن عديد اللوحات التي لامس فيها المأساة الإنسانية العميقة، لوحة “الليل” التي دونها شعرا ورسمها عبر لوحته، بتجسيد ملامح امرأة غير مكتملة، يتحدث خلالها عن البؤس الذي يعشيه الانسان وحالته النفسية التي لا تكتمل الا في الظلام، ليجد نفسه على سرير الألم والوجع، متكأ ونظره متجها نحو الظلام، في حوار فلسفي نفسي عميق للحياة، وبسؤال موجع يقول “لماذا أنا؟ ما الذي فعلته؟”، وكأنه يلوم الحياة على ما قدمته من أذى لا يستحقه، يضيف عبد المجيد لمين قائلا: “الانسان لا يستطيع البوح بألمه إلا ليلا، هنا تكتمل جميع مشاعره، ويصبح حبيسا لتساؤلات عميقة لا يعرف عنها أصدقائه ومحيطه أي شيء، يستيقظ وكأن شيئا لم يحدث له رغم أنه قضى ليلة بيضاء من التساؤلات والالام والاوجاع التي لا يخبرها إلا لليل والظلام”.
“L’OUBLI” و”COULOIRE SILENCE” لوحات خالدة بملحمة الإنسانية
لوحة ” L’OUBLI ” التي كتبها الشاعر عبد المجيد لمين ورسمها في لوحته، جعل المطرب الكبير الحاج لزهر الطيب يلحنها ويغنيها لما فيها من كلمات يمكن أن تواسي المنسي في غمار الحياة القاسية، إلى جانب لوحة “ COULOIRE SILENCE ” ممر الصمت الذي يعد تجربة فريدة للفنان عند رؤيته لمرضى “السرطان” الذين يجتازون هذا الرواق بجزئيات حملتها اللوحة على غرار النفق الذي يجسد القبر، الساعة الزمنية للحياة والموت، الة الاشعة، الممر ومن ثم شعاع الأمل، يقول عبد المجيد لمين: “هذه اللوحة اثرت في كثيرا، ذلك الصمت الذي ينهش أذهان المرضى، الرواق، الموت، الساعة ومن ثمة الامل الذي يعبر عن تمسك المرضى بالألم، عايشت هذه التجربة المريرة، وكانت الدافع لي لأكمل الحياة رغم المرض بلوحة فنية تبعث في نفوس هؤلاء المرضى الأمل في الشفاء”.
“الجزائر بوابة أفريقيا“ لوحة تجسد مساعي رئيس الجمهورية
ونحو جعل الجزائر بوابة افريقيا ضمن مساعي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قدم الفنان عبد المجيد لمين هذا المشروع ضمن لوحته التي تعبر عن أهميته باعتبار أن الجزائر تعمل على تجسيد مناطق حرة ذات بعد إفريقي عبر الولايات الحدودية والذي يعد خيارا استراتيجيا، حيث أن الولوج إلى السوق الإفريقية “ضرورة ملحة لتشجيع الصادرات خارج المحروقات من خلال تنويعها، مضيفا: “لوحة الجزائر بوابة افريقيا متواجدة بمتحف المجاهد القنطرة، بمقاس 800×800 زيت على قماش. هي اللوحة التي أشرقت الشمس في سماء صافية وبحر هادئ عل أرض طيبة بفضل الشهداء الأبرار والرجال المخلصين”.
أزيد من 70 لوحة ومشاريع فنية متجددة
ولعل ولع الفنان التشكيلي عبد المجيد لمين بالفن الذي لا ينتمي خلاله الى مدرسة فنية معينة بل يجد نفسه يرسم لكل المدارس، لم يكن ليضع بصمته إلا بعد تقاعده في عمر الستين سنة 2016، إلا أنه استطاع ان يقدم عديد الاعمال التي تجاوزت 70 لوحة، منها ما هو متعلق بالطفل والطبيعة والأحداث الثورية والتراث العريق، وأخرى تجاوزت سيكولوجية الانسان وفلسفته العميقة، وكأي شاعر أو رسام، يجد نفسه أمام “ورقة بيضاء” خالية من النصوص والأفكار، فكل ذلك يجعل الفنان عبد المجيد يواصل مهامه في تقديم أعمال فنية أخرى بعد حصيلة 20 معرضا على المستوى الوطني والمحلي، ولقائه بعديد الشخصيات الفنية العتيدة الشباب منهم وعملاقة الفن التشكيلي، فيفتخر بعدها بكونه بصمة فنية مميزة بالجزائر، بلوحات واشعار بلغة وريشة الإنسانية، وبكون ولاية باتنة حاضنة لهذه المواهب الإبداعية خاصة وأن لديها قطبا فنيا متميزا متمثلا في مدرسة الفنون الجميلة التي تخرج على يديها عديد الفنانين التشكيليين ومن مختلف المدارس الفنية.
ر. ل