
ما ينبغي للمؤمن أن يتنبه إليه غاية التنبه، وألا ينصرف عنه، أو أن ينشغل بأمور أخرى مما تكون أقل حظا في الخير والبركة منه؛ ما يتعلق بالدعاء في هذا الشهر الفضيل، فالدعاء محبوب عند الله في كل الأوقات، وله مزية زائدة في هذا الشهر العظيم، وهذا ما نبه إليه بعض العلماء، في شأن مجيء آية كريمة عظيمة شريفة جليلة في تعظيم دعاء الله تعالى، وسؤاله سبحانه؛ وهي قول الرب تبارك وتعالى بعد أن جاءت آيات الصيام ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183] الآية: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185] الآية، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
إنّ مجيء هذه الآية في غضون آياتِ الصيام، وبعد أن قرر الله جل وعلا فرضية صيام هذا الشهر الكريم، وفضله وشرفه بإنزال القرآن فيه جاءت هذه الآية الكريمة، وهذه إلماحة وتنبيه إلى أن الدعاء في هذا الشهر الكريم له مزيته.
في هذا يقول الحافظ ابن كثير الدمشقي رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء، متخلِّلةً بيْن أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر؛ كما روي عن عبدالله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “إن للصائم عند فطره دعوة لَا تُرَدُّ “، والله جل وعلا قد رغب عباده في هذه الآية في دعائه وسؤاله سبحانه غاية الترغيب، وتأملوا في بلاغة هذه الآية الكريمة، وما تضمنته مِن تحبب الله وتودده إلى عباده، مع أنه هو الغني تبارك وتعالى، والعباد فقراء ضعفاء: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 186]، وهنا يقول العلماء: إن الله تعالى لم يقُل بعد أن استفتح الآية: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ [البقرة: 186]لم يقل: فقل لهم: إني قريب؛ بل خاطبهم: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 186]، وهذا القرب منه جل وعلا نبه الله تعالى إلى آثاره، ومن جملة ذلك ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: 186]، وهذا وعد من الله، وهو حق وصدق، ولا أصدق من الله حديثا، ولكن إنما المشكلة في تخلف إجابة الدعاء وتأخره من العبد، ولذا قال الله تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].