
يعج الفضاء الأزرق بحسابات لا تعد ولا تحصى لأسماء شركات وهمية وهيئات من نسج الخيال تضع نصب عينيها توظيف جهل وغباء متصفحي المواقع ممن يعتقدون أن الإبحار الافتراضي آمن، وأن السباحة فيه لا تؤدي بالضرورة إلى الغرق، في الوقت الذي تتكشف الحقائق عما هو أفظع وأشد صدمة من ذلك.
عبد الرحمان شايبي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تخوض مؤسسات رسمية في الجزائر حروبا عدة على جبهات التزوير والتظليل ضد مواقع قامت تقمصت الأسماء الحقيقية للمؤسسات، وتتستر من وراء ثقلها ومصداقيتها لدى الرأي العام بهدف اصطياد ضحايا أغلبهم يقعون في المصيدة نتيجة ثقتهم المسبقة في اسم وسمعة المؤسسة التي تم استغباءهم بها.
وتضع شبكات الاحتيال واللصوصية هيئات بعينها منها على وجه التحديد البنوك والمؤسسات المالية على رأس أنشطتها المزيفة في عمليات استدراج الضحايا الذين ينساقون خلف أطماع ظرفية تصور لهم “أن كل ما يلمع ذهبا” مما يُسهل اقتيادهم إلى حتف النصب والاحتيال، وسلبهم كل ما يملكون من أرصدة وأموال، وهم الذين اعتقدوا دعم ميزانياتهم وحساباتهم المالية بأموال إضافية أخرى بعضها يلامس سقف الثراء وامتلاك الأموال الطائلة.
ونجحت مؤسسة “بريد الجزائر” مرفقة بمصالح الأمن السيبيراني في كشف مئات الحسابات المزيفة التي تتخذ من اسم المؤسسة ونشاطها القانوني مطية للإيقاع بالضحايا، عبر نشر مسابقات وهمية باسم تلك المؤسسات الوطنية، تعود على المشتركين فيها باستلام شيكات ضخمة، تحمل على وجهها أرقام بمبالغ معتبرة.
واضطرت مؤسسة بريد الجزائر للظهور في أكثر من مرة من أجل تكذيب الافتراءات والأكاذيب التي تدّعي تنظيم مسابقات “ربحية” باسمها، يستفيد منها حاملو البطاقات الذهبية، وكذا أصحاب التطبيقات التي تسمح بالتحويل المالي.
وعلى الرغم من إخلاء مؤسسة البريد الجزائري أي مسؤولية أو تبعات على عاتقها، فإن الصفحات المظللة ما انفكت تظهر بين الفينة والأخرى للترويج لتلك المسابقات واصطياد أكبر عدد ممن تنطلي عليهم الحيلة، وفي صفوف من يدفعهم حب الثراء والإيمان بضربات الحظ واليانصيب لخوض تجربة ليست في الحقيقة سوى “مصيدة”.
وأمام نجاح الحملات التحسيسية والتوعية التي قامت بها مؤسسة بريد الجزائر من خلال دعوة زبائنها إلى عدم مشاركة أي معلومات خصوصية على منصات وصفحات التواصل الاجتماعي، وتبرئة ذمة المؤسسة من تنظيم أي مسابقات ربحية تعلنها المواقع في السوشيل ميديا، مما أجبر قراصنة الفضاء الافتراضي على تغيير شكل “الطعم” والتوجه إلى انتقاء ضحايا جدد، يتم الإيقاع بهم عبر الاستثمار في أحلامهم البسيطة، مثل حلم امتلاك سكن، أو سيارة، أو رصيد يتيح يضمن قضاء عطلة صيفية مريحة داخل أو خارج الوطن، وغيرها من الأساليب الجهنمية والحيّل المفبركة التي تعتمدها صفحات بيع الوهم، وتحويل حياة البسطاء إلى لهيب نار بعد إتمام الخديعة.
وتنصب هذه الصفحات جلّ اهتمامها على طموحات المواطنين في الظفر بسكن لائق وكريم، فتعرض عليهم صفقات ومشاريع بيع تحقق لهم الحلم وتمكنهم من امتلاك سكنات نصف مكتملة بداية على الورق، يدفعون نصف قيمتها، أو نسبة معينة من المبلغ الإجمالي على أن يتم دفع باقي الحصة بالتقسيط، أو بعد توقيع عقد البيع حين اكتمال المشروع العمراني، ليتضح في النهاية أن المواطن أقدم على دفع مبالغ مالية تصل حتى 200 مليون سنتيم مقابل بيت طائر في الهواء.
وتنطلي نفس الحيلة على الحالمين باكتساب سيارات بأثمان معقولة جدا مقارنة بما هي عليه بورصة الأسواق الاسبوعية للمركبات المستعملة، حيث تعرض هذه الصفحات “الاحتيالية” عروضا ترويجية مغرية انطلاقا من بلد المنشأ لكسب المصداقية، تقرب المواطن من حلم امتلاك سيارة خاصة، أو سيارة عائلية بمجرد دفع نسبة تتراوح بين 2% إلى 10% من المبلغ الكلي، على أن يتم استلام المركبة في ظرف وجيز، لا يزيد أحيانا عن 10 أيام أو أسبوعين بالأكثر، وهو ما يتعارض حتى مع قدرات الحكومة نفسها في مجال استيراد المركبات.
وغالبا ما تعرف صفحات الاحتيال هذه “تحديثات” على السريع، وتغييرات متتالية على محتواها وعناوينها حتى لا يتم اكتشاف أمرها، مثلما تكتفي في الغالب بإيقاع أي عدد ممكن من الضحايا على أن تعود لاستكمال المهمة في ثوب ووجه جديد يمكنها من الإيقاع بالبقية.