يؤكد معرض الصالون الدولي للكتاب بالجزائر “سيلا” طبعة بعد أخرى مدى شغف الجزائريين بالقراءة والمطالعة، وعن العلاقة القوية بين المجتمع على تنوع أطيافه وألوانه بأطباق العناوين وأذواق الورق بحثا عن متعة الاطلاع والتزود بالمعارف وشتى العلوم، ما جعل من الطبعة 27 للصالون الموسومة بشعار “نقرأ لننتصر” تجسد في اختتام الحدث لحظة انتصار للثقافة والعلوم على أرضها ووسط أهلها وفي عقر دارها.
أعادت طبعة سيلا 2024 عبق الجزائر العتيقة التي كانت تنهض باكرا على القراءة وتقتات طوال ساعات اليوم من صوت الكتاتيب، وتسهر ليلا على روائع الأمسيات الشعرية والنقدية زمن العهد الجميل.
واستطاعت النسخة الـ 27 لمعرض الصالون الدولي للكتاب التي أسدلت ستارها نهاية الأسبوع أن تبقي روائع التظاهرة مستمرة على الألسن وفي حافظة تخزين الصور على شاشات الهواتف لوقت آخر، قد يمتد به الحنين والذكريات الجميلة إلى غاية “إيقاظ” الطبعة المقبلة.
وعكسَ خلو أغلب رفوف العرض لدور النشر الوطنية والدولية التي حضرت بأزيد من 300 ألف عنوان عشية الافتتاح الرسمي العلاقة الوطيدة بين الجزائري والكتاب، ومدى انفتاح المجتمع على كافة أطياف وألوان الدور الوطنية والدولية التي لم تندم لحظة واحدة على شحن كل ذاك الزاد المعرفي باتجاه “صافكس” في الصنوبر البحري. فيما جسّد منظر تسونامي المتوافدين على توقيع أحد الكتّاب السعوديين المشاركين في الطبعة الحالية مشهدا كشف أن القراءة وتوقير أهل الحرف تستحق من المتذوقين كل ذلك الطابور البشري الذي اعتلى “الترند” العربي وتخطاه إلى العالمي، وأن الشباب الجزائريين على وجه التحديد مهووسون بتقليب الكتب: رواية، وعلما، وشعرا، ومعارفا.
وشكّل الاستقطاب التاريخي في أجنحة الصالون مرة أخرى أحد أبرز جوانب نجاح الطبعة 27، زادها الحضور الأدبي الفلسطيني أكثر “حياة” وهو يروي قضية شعب يستشهد هناك في غزة، فتنصب له خيّم التمجيد قبل العزاء في جزائر الأحرار.
ووجد الحضور الفلسطيني في المعرض مساحة سخية لنقل المعاناة والجحيم الذي يفتح الصهاينة “أفرانه” بشكل يومي في القطاع والضفة، حتى أصبح خبز غزّة لا يخلو من رائحة الحريق وهو يسترق من الأطفال براءتهم، ووجوههم، لكنه أبدا لا يسترق تاريخهم ونضالهم الذي حضر في سيلا 2024 في صورة مقاوم لا يستسلم، ومحارب يستنفذ كل أسلحته في مجابهة العدو وإن كان آخر الأسلحة “عصا”.
وأعطى توقيت الصالون الذي تزامن والذكرى “السبعون” لتفجير الثورة المجيدة عبقا إضافيا من النضال والاكتشاف امتد إلى كفاح الصحراء الغربية ضد المحتل الأخير في القارة، وعرّج في طريقه على “دوحة الخير” ضيف الشرف للطبعة الـ 27، ما جعل من “لمّة” البيت العربي تكتمل ـأدبياـ من خلجان المحيط إلى شطآن الخليج على أرض الجزائر.
وبرهن حضور لبنان أنه سيّد الأدب والقامات العربية، بعدما سطع الحرف على الجرح الدامي في بيروت، وارتقت العناوين رغما عن جبروت آلة الدمار، وخرج من بين الأنقاض من يكتب، ومن لا يزال يقاوم دون استسلام كما في جبهة الجارة فلسطين.
وتأتي انطباعات المشاركين الضيوف لتتقاطع مع آراء المارّين بأجنحة الصالون لتؤكد مجددا وله الجزائر بعبق الكتب، وأن بـ “المحروسة” فقط يمكن العثور على “نسيم” لا يحدثه سوى تقليب الأوراق، فتنزل النظرات ركوعا وخشوعا بين السطور وهي تتلو صلوات القراءة التي لم تغب يوما عن الجزائري رغم التحولات الاجتماعية العميقة، وأن الجزائر “انتصرت” قبل، وحين، وبعد أن.. قرأت.
ع. شايبي