
سوريا “الشرع”.. مرحلة بناء الوجه الجديد للدولة
تم يوم الخميس الماضي تعين أحمد الشرع كرئيس مؤقت للجمهورية العربية السورية بعد حوالي خمسين سنة من حكم آل الأسد ـ حافظ وبعد نجله بشار ـ وفي أثناء الحفل الذي قدم فيه الرئيس الجديد برزت أولى ملامح الدولة السورية التي تعتبر خرجت من مرحلة وخلت في مرحلة أخرى مغايرة شكلا ومضمونا، فمقارنة الثورة السورية بأي ثورة من ثورات الربيع العربي غير منطقية وغير واقعية، فالواقع في كل دول الربيع كان بقاء الدول وزوال الأنظمة، لكن ثورة سوريا أسقطت الدولة والنظام معا، لتعود للعالم برئيس جديد وبوجه جديد لدولة ستكون جديدة على ما تعوده الجميع متأصلة من تاريخ أمة لا يمحيه سقوط أفراد وأنظمة حكم.
رضوان غضبان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــ
“شكل وهوية سوريا لم تتغير هنا فقط بل حتى منظرها الخارجي قد تغير فقد تم تغير العلم السوري لعلم الثورة”
ــــــــــــــــــــ
“أبرز التحديات الأمنية التي تواجه سوريا أولها الفصائل المسلحة والمتدربة خاصة على حرب العصابات والتي قاتلت لحوالي 14 سنة وشكلت وجها من أوجه النصر في الثورة”
ـــــــــــــــــــ
“ويعتمد الشرع حسب مراقبين للوضع على سياسته الاقتصادية التي استخدمها أثناء فترة إدارته لحكومة الإنقاذ السورية محافظة إدلب مع إظهار نوع من توجهه الاقتصادي الميال للاقتصاد الإسلامي”
ـــــــــــــــــــ
رئيس سوريا الإنتقالي بين شخصية “الشرع” وذاكرة “الجولاني”
يبدوا أن أول تحدي يواجه الرئيس الجديد والذي يعتبر حديث وسائل الإعلام العربية والعالمية وموضوع النقاش الأكثر احتداما في منصات التواصل الاجتماعي بين مؤيديه ومعارضيه هو شخصية أحمد الشرع الرئيس الذي يرى فيه المؤيدون القائد والمناضل الذي ظل ثابتا وواقفا أمام كل التحديدات إلى أن حقق بحكنة ودهاء مقاصد الثورة السورية، كما يرونه الشخصية الأكثر قبولا دوليا خصوصا بعد المبايعات المعلنة والمستترة من قبل دول وزعماء العالم الذين تنقلوا لدمشق من أجل المباحثات مع هذا الشاب الذي أسقط واحد من أقوى الأنظمة العربية، فيما يراه معارضوه بشخصية “أبو محمد الجولاني” -إسمه الحركي- الإرهابي الذي سجنته أمريكا أثناء انضمامه لتنظيم القاعدة بالعراق وأمير جبهة النصرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة ثم مؤسس وقائد هيئة تحرير الشام والمطلوب على لوائح الإرهاب الأمريكية، وبين هاتين الشخصيين تسلم إدارة سوريا لرئيس يحمل بين يديه أمل حوالي 35 مليون سوري، ليؤسس لملامح ووجه الدولة السورية الجديدة، فبعيدا عن الرأيين يظل الحكم صعبا على أي الشخصيتين ستكون الحاكم الفعلي للبلاد أو قد تكون شخصيتا الرجل جزءان لعملة واحدة، وهو الأمر الذي سيكون الزمن وحده حريا بالفصح عنه.
إسقاط الدولة السورية القديمة والتأسيس لنظام جديد
تعتبر أول قرارات الرئيس السوري الانتقالي الجديد هي إسقاط أركان الدولة السورية القديمة نهائيا، حيث حل الجيش والمؤسسات الأمنية بصفة رسمية ونهائية وعطل العمل بدستور 2012 وحل المجالس المنتخبة وحل حزب البعث الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وما يتبعها من تنظيمات ومؤسسات ولجان مع قرار بحضر إعادة تشكيل هذه الأحزاب، كما قام بحل جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية وقرر دمجها في مؤسسات الدولة كما قرر تشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية إلى غاية إقرار دستور دائم للبلاد ولينوب عن المجالس المنحلة.
شكل وهوية سوريا لم تتغير هنا فقط بل حتى منظرها الخارجي قد تغير فقد تم تغير العلم السوري لعلم الثورة الأخضر والأبيض والأسود تتوسطه ثلاث نجمات حمراء، ناهيك عن بعض الجزئيات الأخرى التي تجلت في وزير الدفاع السوري الجديد الذي يظهر بذقن ولحية عكس الشكل القديم للجيش السوري الذي يكون العسكري أملسا ناهيك عن زي قادة الفصائل التي تم تمدجها في الجيش الجديد للدولة السورية، هذه التغيرات التي لا تدل على تغير الهوية البصرية لفقط بل تغير تام في سياق وتفكير الدولة وتصدر ملامح الوجه الجديد شيئا فشيئا للعالم الذي يراقب في حذر.
من جانبهم وعبر منصات التواصل الاجتماعي باركت كبريات الصفحات والمعلقين عليها هذه التحولات الكبرى أو بالأحرى الجذرية للدولة السورية ورأت فيها تأكيدا لانتصار الثورة معلقة الأمل على شخص الرئيس الإنتقالي لقيادة سفينة سوريا لبر الأمان ولرسم ملامح دولة سوريا لكل السوريين وهو ما أكده خلال كلمته في فعاليات مؤتمر إعلان انتصار الثورة والتي عرض فيها خطة الدولة في المرحلة الإنتقالية.
“الشرع” رئيسا بالبذلة العسكري.. وهذه أبرز التحديات الأمنية
ويبدوا أن فعاليات مؤتمر إعلان انتصار الثورة وتنصيب الرئيس السوري الجديد الذي حمل آلاف المعاني كان عنوانه الأول بصبغة أمنية حيث ظهر أحمد الشرع ببزته العسكرية مخاطبا جموعا من وزراء وقادة الدولة والذين غلب على لباس أكثر البذلة العسكرية أيضا، ناهيك عن إشارته في كلمته “على تحقيق السلم الأهلي وملاحقة المجرمين الذين ولغوا في الدم السوري وارتكبوا بحقنا المجازر والجرائم”، بالإضافة إلى “إتمام وحدة الأراضي السورية، كلّ سوريا، وفرض سيادتها تحت سلطة واحدة وعلى أرض واحدة” حسب تعبيره، إضافة إلى تشديده وتأكيده عن حل كل الفصائل وتأكيد أن سوريا ستكون لها حكومة وجيش واحد على كل أراضيها.
كل هذه العبارات تشير إلى أبرز التحديات الأمنية التي تواجه سوريا أولها الفصائل المسلحة والمتدربة خاصة على حرب العصابات والتي قاتلت لحوالي 14 سنة وشكلت وجها من أوجه النصر في الثورة، والتي تمكن الشرع في النهاية من إقناعها بترك السلاح والاندماج في الجيش لتبقى القوة الوحيدة التي لم تتوصل معه لاتفاق نهائي لترك السلاح هي قوة “قسد” والتي تعتبر أقوى الفصائل وأكثرها تعدادا ولها مصادر دعم خارجية متعددة كما أنها معادية للنظام التركي الذي تقارب مع نظام الشرع والتي يرى متابعون أن الحلول السلمية متعددة وسيستخدمها الشرع لكنه لن يتوانى عن استخدام القوة العسكرية معها حال تعنتت وارتأت تشكيل جبهة مستقلة ما قد يجر البلاد لحرب ثانية لا أحد يريدها، فيما يتشكل ثاني التهديدات الأمنية في التوغل الصهيوني في الجولان وقرب قواتها من دمشق ناهيك عن تدمير البنية التحتية العسكرية للجيش السابق والتي يحاول الرئيس السوري تحاشيها عسكريا في الوقت الحالي على الأقل واستخدام ورقة الدبلوماسية والأمم المتحدة معها لكنها ستظل شوكة في حلق الاستقرار الأمني السوري، أما ثالث التحديدات فقد يكون الأهون والأسهل للحكومة الجديدة وهو تشكيل جيش عصري حيث أن أفراد الجيش الحاليين لم يتلقوا تدريبات عسكرية حقيقية وإنما هم مجموعة ثوار تكونوا ميدانيا إضافة إلى إعادة الاعتبار للمطارات العسكرية وقات البحرية والقوات الجوية التي لم تكن تمتلكها الفصائل المسلحة أصلا.
اقتصاد منهار.. ماهي رؤية الدولة الجديدة لرفع قيمة الليرة وجلب الاستثمار؟
ومن أبرز التحديات التي تواجه حاكم سوريا الجديد هي مسألة الاقتصاد السوري الذي ظل طيلة الثورة يتراجع شيئا فشيئا ففقدت العملة السورية قيمتها حيث أصبحت مجرد أوراق مطبوعة، كما كانت دولة النظام المخلوع تعتمد حسب التقارير الإعلامية على عائدات بيع المخدرات، وهنا تجد الحكومة الانتقالية نفسها أمام أكبر العوائق لتأسيس أي دولة العائق الاقتصادي، في مقابلة لأحمد الشرع مع أحد القنوات التلفزيونية العربية، تحدث عن طموحاته بشأن تنمية الاقتصاد في سوريا. وأنّ سوريا تحتاج إلى “خبراء يعرفون مقومات البلد ويحاولون أن يستفيدوا من كل تجارب العالم، حتى يتم الإتيان بشيء يتناسب مع طبيعة المجتمع”. كما قال الشرع إنّ بعد سقوط نظام بشار الأسد هناك “فرص استثمارية واقتصادية كبرى”، وأشار أن يكون للسعودية والدول المجاورة دور كبير جدًا في التنمية الاقتصادية بالشراكة مع الدولة السورية، وبشأن العقوبات المفروضة على سوريا، قال الشرع إنّه “يتمنى من الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب أن ترفع العقوبات المفروضة على سوريا”. وقال إنّ أحد الأمور التي تأتي على رأس أولوياته هو إعادة بناء الاقتصاد، من خلال إصدار عملة جديدة، بعد أن تستقر قيمة العملة الحالية، والتي تعرف معدلات تراجع وثبات إيجابية منذ سقوط نظام الأسد.
ويعتمد الشرع حسب مراقبين للوضع على سياسته الاقتصادية التي استخدمها أثناء فترة إدارته لحكومة الإنقاذ السورية محافظة إدلب قبل إسقاط النظام حيث قام من خلالها بإظهار نوع من توجهه الاقتصادي الميال للاقتصاد الإسلامي لكن مع فرض ضرائب مرتفعة على المواطنين في حين قام وقتها بقرار جريء في التخلي عن التعامل بالليرة السورية بعد أن فقدت قيمتها واستبدالها بالليرة التركية، ولكن هذه المرة يمتلك الشرع بصفته رئيس البلاد لموارد أكثر ناهيك عن حراكه الدبلوماسي الذي سيكون اقتصاديا بالدرجة الأولى حيث سيركز على إعادة الإعمار أولا وجلب الاستثمارات العربية والأجنبية ثانيا في حين يعد خيار استغلال الاستثمار السياحي بعيدا عن شخصية الدولة الجديدة على الأقل في السنوات القليلة القادمة.
فصل جديد في تاريخ سوريا
“نفتح الآن فصلا جديدا في تاريخ سوريا” هكذا عبر رئيس الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وهو فصل لا تزال قراءاته مبهمة حيث فاجئ الرئيس السوري الجميع بقراراته منذ أن أسقط النظام حيث ارتبط اسمه قبل ذلك بتنظيمات متطرفة لكنه أبدى غير ذلك النهج والسبيل، حيث يراه بعض المتابعين أن طريقة تفكيره تغيرت وربما كانت السر الحقيق في وصوله لسدة الحكم، فيما يرى آخرون أن انضمامه لمثل هذه التنظيمات كان ضرورة مرحلية، وأن شخصية رجل الدولة غير شخصية رجل الثورة، لكن الأكيد أن مستقبل سوريا وتاريخها الحديث وخطوطها الحمراء ستكتب على يدي رئيسها الانتقالي الحالي “أحمد الشرع” والذي سيظل غامضا إلى أن يميط اللثام عن الوجه الجديد للجمهورية العربية السورية.