متابعات

سجن صيدنايا.. شاهد على القبر!

البحث عن الأقبية السرية متواصل إلى الآن..

خطف الوضع في سوريا كل الاهتمام الإعلامي في العالم خلال اليومين الأخيرين، بعد سيطرة المعارضة المُسلحة على دمشق وفرار الرئيس السوري بشار الأسد نحو موسكو مثلما أكدت العديد من الأخبار في سيناريو متسارع الأحداث جعل الكثير من المُحللين لا يفهمون بالتفصيل ما الذي حدث في آخر أسبوعين وكيف تغيرت الأوضاع بهذا الشكل لصالح الفصائل المسلحة التي كانت تتمركز في الشمال الغربي للبلد، وبعيدا عن التساؤلات الكثيرة والمخاوف الكبيرة بشأن مستقبل الدولة في سوريا مع كثرة الفصائل المسلحة وخاصة ما يُسمى “هيئة تحرير الشام”، سيطر مشهد مُختلف على اهتمام المتابعين هناك في ريف دمشق، وتحديدا في الحاضرة المسيحية الشهيرة صيدنايا التي ازدادت شهرة بعد انتشار صور وفيديوهات مرعبة لسجنها المعروف بـ”السجن الأحمر” الذي افتتح سنة 1987 وطالما أثير حوله جدل كبير إلى درجة وصفه بـ”المسلخ البشري”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

“اتفق الجميع على أن سجن صيدنايا هو الجحيم الذي كان فيه كل شيء مباحا، إذ أظهرت الفيديوهات المُنتشرة على مختلف وسائل الإعلام العالمية مشاهد صادمة جدا لمسجونين كان الموت أرحم إليهم من الوضع المأساوي الذي كانوا يعيشونه”

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

“تساءل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن سبب الاهتمام السوري بهذا السجن أكثر من بقية السجون في دمشق أو بقية المدن، ليرد السوريون بأن الأمر يتعلق بـ “مسلخ بشري” بناه حافظ الأسد وأن أي سجين يدخل هذا المكان يُدرك جيدا أن مصيره سيكون الموت أو فقدان العقل”

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

وبغض النظر عن هوية المسجونين وخلفية الصراع السياسي الذي كان قائما بين النظام البعثي لعائلة الأسد ومعارضيه من جهة والصراع الطائفي بين مختلف العرقيات والجماعات من جهة أخرى، اتفق الجميع على أن سجن صيدنايا هو الجحيم الذي كان فيه كل شيء مباحا، إذ أظهرت الفيديوهات المُنتشرة على مختلف وسائل الإعلام العالمية مشاهد صادمة جدا لمسجونين كان الموت أرحم إليهم من الوضع المأساوي الذي كانوا يعيشونه، وإلى حد هذه الساعة لا تزال المحاولات كثيرة جدا لأجل الوصول إلى الزنزانات الأرضية للسجن والتي لم يعرف أيٌ من المتواجدين هناك كيفية الوصول إليها عدا باللجوء إلى آليات حفر كبيرة، بما أن المداخل إليها سرية للغاية.

وكان بيان سابق للشبكة السورية لحقوق الإنسان أن عدد المعتقلين في سجون سوريا منذ مارس 2011 حتى أوت 2024 قد فاق 136 ألف شجين منهم 3 آلاف و698 طفلا وأزيد من 8 آلاف امرأة لا يزالون حسب البيان قيد الاعتقال، وفي هذا الصدد تحدث فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لقناة “الجزيرة” وأكد أنه “من الضروري التفريق بين المعتقلين السياسيين الذين احتجزهم النظام السوري وتعرضوا للتعذيب الوحشي” وبين الإفراج غير المُنظم عن جميع المساجين ومن بينهم مرتكبي الجرائم”، وأضاف أنه “يخشى أن يؤدي الإفراج العشوائي عن معتقلين دون مراجعة دقيقة لملفاتهم إلى الإضرار بملف المعتقلين السياسيين وإضعاف مصداقية المطالبات الحقوقية بحقوقهم”، ذلك أن مرتكبي الجرائم في هذه الحالة سيُقدمون أنفسهم على أنهم معتقلون سياسيون لا أكثر.

وكشفت مقاطع الفيديو المنتشرة عن حالات كثيرة لمعتقلين لم يُظهروا انتمائهم لأي تيار سياسي أو فصيل عسكري “سابق”، لكنهم تحدثوا عن الوضع المأساوي الذي عاشوه بين أسوار السجن، ومن أكثر المقاطع المنتشرة فيديو يُعبر فيه أحد المعتقلين عن فرحة كبيرة مؤكدا أنه تم تحريرهم من السجن قبل ساعات فقط من تنفيذ حكم الإعدام فيه هو وأزيد من خمسين معتقلا، وفي إحدى الشهادات التي انتشرت على مواقع التواصل، قالت إحدى النساء ممن تم تحريرهن أنها “دخلت إلى هناك شابة عزباء، والآن هي تخرج في الثلاثينات من العمر ومعها أطفال لا تعرف هوية آبائهم”، ولأجل تفادي الضبابية حول وضع كل المساجين بما أن الوضع فوضوي للغاية في الوقت الراهن، دعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى “دراسة ملفات المعتقلين بدقة لضمان التمييز بين المعتقلين السياسيين والمجرمين المتورطين في أعمال تهدد الأمن المجتمعي، مقترحا أن يجري هذا الأمر بإشراف حقوقي مستقل عبر تكليف منظمات حقوقية مستقلة”.

وبسبب الانتشار الرهيب لفيديوهات من “سجن صيدنايا” تساءل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن سبب الاهتمام السوري بهذا السجن أكثر من بقية السجون في دمشق أو بقية المدن، ليرد السوريون بأن الأمر يتعلق بـ “مسلخ بشري” بناه حافظ الأسد وأن أي سجين يدخل هذا المكان يُدرك جيدا أن مصيره سيكون الموت أو فقدان العقل، وهو ما وقف عليه المتابعون يوم أمس بعد انتشار فيديو لأحد المساجين في حالة سيئة جدا وهو فاقد للذاكرة ولا يكاد يستطيع نطق كلمة واحدة، علما أن منظمة العفو الدولية التابعة للأمم المتحدة دعت عام 2017 إلى تحقيق مستقل لما يجري في “صيدنايا” من إعدامات للمعتقلين دون محاكمات، إثر انتشار تقرير كشف عن إعدام قوات الجيش السوري نحو 13 ألف شخص شنقا بين سنتي 2011 و2015، وفي العام نفسه قالت قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الحكومة السورية لجأت إلى حرق آلاف السجناء في صيدنايا كمحاولة لإخفاء عدد القتلى والتخلص من الأدلة التي قد تدينها بجرائم حرب.

وفي آخر ساعات يوم أمس الأول، هرعت المئات من العائلات إلى محيط سجن صيدنايا بعد العثور على مداخل سرية إلى أقبية سرية، فعلى الرغم من دخول السجن وتحرير أعداد كبيرة من المعتقلين، إلا أن الأنباء لا تزال قاتمة في ظل هروب المسؤولين عن السجن وعدم وجود أي شخص على دراية بتصميم السجن ومكان المداخل التي تقوم إلى الأقبية السرية، وما يزيد الأوضاع تعقيدا الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، الأمر الذي يُشكل حسب “العارفين” خطرا كبيرا على المعتقلين في الأقبية السرية التي وصفت بـ”القبور”، وذلك بسبب نقص الأكسجين لعدم توفر إمكانية تدوير الهواء.

ونشر “راديو مونتي كارلو” تقريرا أكد فيه أن “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” تُقدر في تقرير نشر في 2022 أن “أكثر من 30 ألف معتقلا إما أُعدموا، أو قضوا نتيجة التعذيب، أو نقص الرعاية الطبية أو الجوع بين عامي 2011 و2018، كما “يُعتقد أن نظام الأسد أعدم ما لا يقل عن 500 معتقل إضافي بين عامي 2018 و2021″، وفقا لشهادات ناجين وثقتها الرابطة، وحسب ما ورد من تقارير حول السجن، تقدر مساحته بـ1.4 كلم مربع، وهو مؤلف من مبنيين أساسيين، “السجن الأحمر” وهو المبنى القديم للسجن، و”السجن الأبيض”، فضلا عن أعداد غير معلومة من الدهاليز والأقبية السرية، كما أنه محاط بنظام حراسة معقد، وتقوم بإدارته عدة مستويات أمنية، الجيش والشرطة العسكرية والمخابرات، وتحدّث تقرير الرابطة عن وجود غرف إعدام داخل السجن، تجري فيها عمليات الشنق يومين أسبوعيا، فيما تنقل الجثث وتدفن في مقابر جماعية، أما جثث من قضوا تحت التعذيب فكانت تحفظ في غرفة مليئة بالملح قبل نقلها إلى أحد المستشفيات لإصدار شهادة وفاة لكل جثة، لتدفن لاحقا في أماكن بعضها معلوم.

م. بلقاسم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.