
“ريـــــــــــاح التغيير” تهب على البلديات في باتنة
أحيت عيدها الوطني على تجاذبات الانتخابات المبكرة
اختلف الاحتفاء بيوم البلدية هذه السنة عما سبقه من احتفالات منذ ترسيم تاريخ 18 جانفي يوما وطنيا للبلدية سنة 2019 ومرد هذا الخروج عن المألوف في عودة الحديث بقوة حول دور هذا الجهاز العمومي الهام وكيفية ترقية عمله ووظيفته من أجل تحقيق الحوكمة والتنمية المستدامة لاسيما في ظل انتقال هذا المرفق من كونه “دار بلدية” تهتم بجمع وثائق المواطن إلى مؤسسة اجتماعية واقتصادية متكاملة.
عبد الرحمان شايبي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على “استحياء” واضح في تقديم حصيلة نشاط المجالس المنتخبة، آثرت بلديات باتنة في أغلبها إحياء “عيدها” الوطني على وقع التجاذبات السياسية والتنظيمية وحتى القانونية التي انجرت عن تمرير مسودة إصلاح قانون البلدية والولاية التي رفعتها لجنة وزير الداخلية الأسبق دحو ولد قابلية إلى الرئاسة وما رشح منها بخصوص “الامتيازات” الجديدة للمنتخبين الذين تقول السلطة أنها فكت بعض قيودهم وأطلقت أيديهم بما يفي لتأدية وظائفهم كمسؤولين منتخبين من طرف الشعب.
ومع أن مناسبة الاحتفال بيوم البلدية لم يظهر لها أي زخم كبير في الحضور العلني ببلديات باتنة لاسيما من حيث مظاهر الاحتفائية أو حتى حملات تحسيس تشير إلى “العيد”، غير أن الحديث السياسي الذي جاب مختلف صالونات الولاية حضر بقوة في تناول مستقبل هذا المرفق العمومي الهام، ضاعف في ذلك تعبير الرئاسة عن نيتها في الذهاب إلى تنظيم انتخابات محلية مبكرة خلال الشهور القادمة، وهو ما اعتبرته العائلة السياسية بمثابة ضرب “جرس الباب” من أجل التحضير الجيد لخوض غمار هذا الاستحقاق الوطني الهام.
واكتفت بلديات الولاية الـ 61 في عيدها الوطني على ترقب ترجمة خطاب الهيئة التنفيذية بالولاية في أعقاب الكشف قبل أسبوع عن غلاف 1600 مليار سنتيم كشطر أولي لدعم برامج التنمية المحلية، موزعة عبر 300 مشروع عبر كامل تراب الولاية.
وأدخلت تصريحات المسؤول الأول في الولاية السواد الأعظم من المجالس البلدية في سباق مع الوقت من اجل حصر الحاجيات “الاستعجالية” التي يستوعبها الغلاف المالي المعلن عنه، على أن يتم توظيف ذلك في رصيد انجازات المجالس التي يرغب أصحابها البقاء مجددا على مضمار السباق في حال تم تأكيد خبر الانتخابات المحلية المبكرة.
وتشهد أغلب بلديات الولاية حالة تململ على صعيد التجاوب الشعبي، وهو ما يفسر تخلف المجالس عن تقديم حصيلة نشاطاتها السنوية مثلما حرصت عليه في السابق بمناسبة اليوم الوطني للبلدية، مثلما تخلفت أغلب المجالس عن تنظيم لقاءات جماهيرية تتصل بالمواطن مباشرة، بدلا من حصر الاجتماعات على حضور جمعيات المجتمع المدني التي يضع الشارع خط عريض تحت نشاطاتها.
ويرى متابعون في نية السلطات العليا في البلاد الذهاب إلى انتخابات محلية مبكرة بمثابة زلزال هز أغلب إن لم يكن كافة المجالس المنتخبة وهي تتفاجأ بخبر حزم حقائب الرحيل، في الوقت الذي أفرجت فيه التعديلات الخاصة بقانون البلدية والولاية شيئا من الصلاحيات التي تحرر “الأميار” من التبعية وضغوط الوصاية وتشجعهم على كشف قدراتهم في التسيير بما يدفع عجلة التنمية نحو الأمام.
ومع أن المجالس الحالية نجحت في امتحان “النزاهة” الذي أتى بها على رأس المسؤوليات المحلية بفضل محليات 27 نوفمبر 2021 التي خلت لأول مرة من مصطلحات التزوير، والبيع والشراء في القوائم، غير أن هذه المجالس فشلت في كسب رهان التسيير منذ تنصيبها، وهو ما تكشفه حالة الامتعاض الشعبي من عمل جل البلديات في ولاية باتنة، نتيجة الحصيلة “الصفرية” المنجزة حتى الآن وفق ما يراه الرأي العام المحلي.
وتكشف مرحلة “التجميد” التي اصطدم بها عدد من المجالس البلدية خلال السنة الأولى من تولي قاطرة التسيير حجم الهوة العميقة داخل عمل هذه المجالس نفسها، مثلما تكشف فترة الشغور التي دامت لنحو سنة كاملة حجم الفرص الضائعة من سلة الانجازات التنموية التي ظل المواطن يتطلع إليها دون أن تتحقق.
ولا ينجذب الشارع الباتني كثيرا إلى الخوض في الانتخابات المبكرة اعتقادا منه أن التجديد على مستوى المجالس المحلية لن يكون سوى استنساخا للتجربة السابقة على الأقل في جانب التنمية، حيث يبدي الشارع هنا تعاطفه المطلق مع المجالس البلدية التي لا تملك من حق التسيير والمشاركة في إثراء الساحة التنموية سوى رفع الطلبات ومناشدة الوصاية التي تبقى الآمر الناهي الوحيد.
وينتظر الرأي العام شروحات تفصيلية حول قانون البلدية والولاية في ظل التعديل والتغيير الذي تحدثت عنه لجنة ولد قابلية، وما إذا كانت هذه التعديلات ستعرف طريقها إلى التنفيذ فعليا قبل التفكير في أي انتخابات مسبقة أو تجري في توقيتها الدستوري مادامت لا تحمل التغيير المنشود.
وتزداد متاعب المجالس البلدية أكثر بعد ضغط السلطة على دواسة السرعة من أجل نقل هذا المرفق العمومي من كونه “دار” بلدية ينحصر دورها على جمع وثائق المواطن، إلى مؤسسة اجتماعية واقتصادية متكاملة، وهو ما يجسد أكثر التحديات في تكريس هذه النقلة وتجسيد هذه النظرة المستقبلية لـ “دار الشعب” الأولى في سلسلة الهياكل التي تشكل مؤسسات الجمهورية.