
صارت، مشاريع الربط بالغاز الطبيعي بقرى بعض الولايات الداخلية، تشكل حلما يراود سكانها، ومن شدة التعلق به وترقبه كفرج سيخلصهم من تبعية البوتان وأحكام البرد القاسية ومتاعب الحياة، تحول موعد الربط إلى عرس ثارت فيه المشاعر وخرجت السلوكات عن المعقول ليستقبل الواقع تحت الظل والفلاح الغاز بالرقص والغناء ووليمة للعشاء الأمر الذي آثار حفية المثقفين والفاهمين والعقلاء وطبقة المجتمع الراقية من الفقهاء، ممن وجهوا تهمة “الجهل” والغباء لكل من انساق وراء هذه السلوكات التي أنزلت من قيمة المواطن وجعلت من مطالبه المشروع منحا وبركات تقدمها الجهات الوصية بكل منٍّ وازدراء، ليضع صاحب “الطبلة والزرنة” والرقصة في خانة “السفهاء”.
فالمواقف المتكررة للاحتفال بالزيارات الرسمية والقرارات الحكومية والتغييرات التنموية والمشاريع المعيشية، صارت تثير فعلا حفيظة العقل الراجح، بعد أن استغلها المسؤول لمصالحه ورسم خارطة صالحه، فربطها بمواعيد الانتخابات وتجديد العهدات وتمرير المخططات، وأكثر من ذلك، قولبة الصورة الأولى التي رسمت في ذهن المواطن قبل انطلاق مشاريعه المشروعة المطلوبة، ليرتبط الغاز والكهرباء والماء بحضرته فيكون المخلص الوحيد لأهل القرية من الفقر والحياة المعيشية الصعبة، وخير دليل على ذلك هو تأخر مثل هذه المشاريع دائما وتحويلها إلى مسك الختام الذي يتباهى به المير في حضرة الفقير الذي رقص طويلا على نغمة “البندير” بعد منحه أنبوب الغاز الكبير ورجف رجعة الكهرباء قبلها وهو يمرره عبر سلك من القصدير.
فالذنب ليس ذنب ذاك الفقير الذي رقص وتداولت رقصته مواقع التواصل الاجتماعي ليذمه “الفهام” ويسبوه تحت شعار “بخصت بينا”، وليس ذنب المعلق الذي شعر بالحرج وهو يتفرج على تلك الرقصات المذلة لشخصية رجل كبير طال به الزمن وهو يترقب الفرج الذي إن حل حلت السعادة بقلبه وترجمتها حركات جسده كونه يفكر بعقل مثقف راجح، وإنما العيب في المسؤول الذي جعل من “ريحة الغاز” و”صعقة الكهرباء” و”حفرة الصرف الصحي” أضغاث أحلام تراود هذا المواطن في اليقظة والمنام فلم يعد يفكر في التطور ولا التحضر ولا مشاريع الرسكلة وازدهار البلاد، لأن البرد تمكن فعلا من قرص أصابع قدميه حتى نسي أنه إنسان وزاد الظلام من تدهور وضعيته المعيشية وتعود على شمعة تؤنس وحدته لأن مطالبه المشروعة قد تحولت إلى نقطة ضعفه ومصدر قوتهم، ما منحهم الوقاحة في جعله يرقص بسبب الغاز ويرتجف من أجل الكهرباء.
نوارة بوبير