
لا أتذكر كيف أظلمت حياتي فجأة ولا كيف اختفى النور من حولي .. كل ما أتذكره ليل مطير .. ودمع غزير وحلم ! ما بقي منه غير صوت التكسير ..
استيقظت في ذلك الصباح البائس أتفقد مصدر تلك الأصوات المختلطة.. أدرت رأسي يمينا ويسارا فلم أر غير العتمة تحتل المكان.. ظننت أني لم أفتح عيناي بعد..! فوضعت يدي فوقهما وكانت الصدمة..! عيناي مفتوحتان .. فلماذا لا أستطيع رؤية أي إنسان..؟! أيا ترى مازلت نائمة؟! أم أني في الأحلام عائمة..! أعدت وضع يدي فوق عيني والدموع قد شقت طريقها على جفني عندما سمعت من أمي الخبر.. ” بنيتي..! لقد فقدت البصر..” فآه.. آه من ألم أوجع خاطري.. وأغرق في بئر الظلام حاضري.. فهل من أمل للإبصار؟! هل من شمعة تعيد لي النهار ؟! حينها لم أتلق الإجابة من أحد..! ففهمت.. فهمت أني حوكمت بالمؤبد في هذا المصير.. وعدت للمنزل وقد كسبت من نكستي صديقا قصيرا.. يؤنسني في وحدتي ويرشدني إذا ما تاهت خطوتي.
دخلت غرفتي وما عدت أعرف أين صارت نافذتها وأين أضحت أشجار السنط التي كنت أتأملها.. وقفت عندها أسمع حفيف الأشجار وزقزقة الأطيار وبروح منطفئة رسمت أيامي القادمة في شكل دهاليز مظلمة يقود ظلامها..! إلى ظلام آخر.. كانت الكآبة تأكل قلبي كما تأكل النار الحطب.. كنت أشعر بسوطها يلسع كل ركن من أركان تلك الروح المعذبة.. إلى أن سمعت صوتا شديا أوقفني عن التفكير في جحيمي لأتأمله لحظة.. رسمت الابتسامة نفسها على شفتي وأنا أحاول فهم تمتمات العصفور الذي لطالما كنت أستأنس به في عزلتي.. إنه مميز عن باقي العصافير.. كنت ومازلت بمجرد سماع تغريده أثمل تماما.. صوته يشعرني بنوع من الأمل والأمان.. ومرت نسمات هواء لطيفة حاملة معها عبير نرجس ألهبت روحي وألهمتني الأمل.. بدأت أستنشق شذاها ليغطي بقعة سوداء في داخلي.. بقعة اسمها التشاؤم.. شعرت أن دخان الاستسلام بدأ يزول وغيوم الحزن بدأت تنجلي وبدأت أتذكر ذاتي أتذكر أحلامي.. ولاحت تلك النجمة في أفق سمائي المظلمة.. لاحت لتنير لي الطريق من أجل حلمي.. ولنشر صدى قلمي.. فحتى وإن صرت عمياء.. فهذا لا يعني التراجع للوراء.. عزمت على ترك المرسى وعاهدت نفسي بأني مهما حصل لن أنس..! أنه بالأمل تنجلي الأحزان.. وجهت شراعي نحو هدفي رغم معاكسة الرياح.. وأبحرت وها أنا اليوم بين آلاف الألوف.. التي أحبت ما خطت يدي على الصفحات من حروف.. بدءا من الألف إلى الياء.. رغم أني مازلت عمياء..
لزرڨ عتيقة ليليان / تيارت