وطني

رادار الدبلوماسية الجزائرية يلتقط أول إشارات “الفيتو” الإفريقي

عام على انتخابها عضو غير دائم بمجلس الأمن الدولي

أتمت الجزائر نصف عهدتها في مجلس الأمن الدولي باقتدار واعتراف أممي حملت فيه قبلة الأحرار على عاتقها صوت الضعفاء والمغيّبين في العالم، في الوقت الذي أدارت فيه بنجاح عال أشواطا هامة من المعركة الأساسية والمتواصلة لرفع “المظلومية” التاريخية عن القارة الإفريقية، وانتزاع حقوقها المرتهنة، والتي لطالما شكّلت أطباق “تحلية” على موائد الكبار في المحفل الأممي.  

عبد الرحمان شايبي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أنهت الدبلوماسية الجزائرية سنتها “الأولى” في مجلس الأمن الدولي بتقدير عالمي وهي تطيح بنظام “الأبارتيد” داخل أعلى هيئة عالمية للسلم والأمن بانتزاع حق جميع أعضاء المجلس في الاطلاع على وثائق الهيئة التي كانت تُدار أبواب مكتبة مطالعتها بمفاتيح حق النقض فقط، ويقتصر تصفح رفوفها على دائرة ضيقة يمثلها أصحاب “الفيتو” الخمسة دون سواهم.

ونجحت الجزائر أسبوعين قبل إتمام نصف عهدتها في إحقاق مسعى “المساواة” بين كافة أعضاء مجلس الأمن الدولي، حيث أصبح من المتاح للأعضاء غير دائمين الـ 15 الانضمام إلى مكتبة الأرشيف الأممي وتفحص وثائقها التي ظلت حكرا على كبار القوم في المجلس منذ تأسيس هذه الهيئة الأممية.

وحالف النجاح مسيرة الجزائر منذ البداية بعدما تزامنت عهدتها وحرب الإبادة العرقية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة ولا تزال مستمرة حيث وجدت الجزائر في قضية فلسطين العنوان الأكبر لمرافعاتها في مجلس الأمن الدولي افتكت خلالها 04 قرارات لصالح وقف إطلاق النار في غزة، يقول المتابعون حتى وإن لم تترجم القرارات على الأرض فإن الفضل في كشف ازدواجية المعايير التي يقوم عليها مجلس الأمن يعود إلى دور الجزائر باعتبارها البلد الوحيد الذي جمع 14 عضوا على خط واحد من الأحداث، وأن الامتناع الأمريكي كان بدوره انصياعا غير معلن للقرارات التي طرحتها الجزائر في المجلس، وهي سابقة مقارنة باختلال التوازنات العالمية سيما بعد جائحة كورونا التي تحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤوليتها صراحة للصين، وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية وما انجر عنها من انقسامات عميقة بين قوى ودول العالم.

ولم تقتصر مواقف الدبلوماسية عند حدود القضية الجوهرية فلسطين فقد تعدت بنفس الاهتمام لتشمل مختلف الإحاطات في ملف السودان وليبيا وسوريا وآخر المستعمرات بالقارة السمراء الصحراء الغربية، وجميع الإحاطات حظيت بالثقة والتشريف الذي امتد العرفان فيه إلى البيت العربي ومجلس التعاون الإسلامي الذي أشاد بالدور الجزائري في مجلس الأمن وهو نفس المسار سارت عليه دول القارة الإفريقية وآسيا وأمريكا الجنوبية حيث يكشف الدعم الذي تلقاه الجزائر في هذه الهيئة السر في انخراط 184 دولة صوتت على عضوية الجزائر غير الدائمة قبل سنة من اليوم وأظهرت الأخيرة جدارتها بالمهمة وتشريف الثقة الملقاة على عاتقها سيما أمام تداخلات المصالح وتضاربها بين كبار العالم.

وتدرك الدبلوماسية الجزائرية التي استعادت وهجها وبريقها مع مجيء “الجزائر الجديدة” صعوبة المهمة التي تؤديها وسط حقل ألغام مليء بالمتربصين بانتصاراتها ونجاحاتها “المزعجة” لقوى الظلامية والإمبريالية، ناهيك عن خصومها التقليديين ممن اعتادوا “النباح” على قافلة الجزائر وهي تنتقل من انتصار إلى آخر، آخره وليس أخيره إسقاط رمزية “الأبارتايد” القائمة بمجلس الأمن الدولي القائمة على التمايز والتفاضل بين أعضاء الهيئة الواحدة.

ويزداد إصرار الدبلوماسية الجزائرية المستفيدة من دعم أعضاء القارة في المجلس وفي هيئة الأمم المتحدة من أجل التحريض على إصلاح الهيئات الأممية التي أثبتت الوقائع الجارية عدم تجاوبها والقانون الدولي وحتى عدم صلاحيتها وهو ما قاد إلى الاستهانة في تنفيذ قرارات القانون الدولي الذي كان في ما مضى مثل السيف فوق رقاب بلدان العالم.

ويقوم مسعى الإصلاح الذي تقوده الجزائر مع دول الجنوب على رفع المظلومية التاريخية المقترفة في حق القارة الإفريقية، وتقدم الدبلوماسية الجزائرية إزاء ذلك حلولا قائمة أكثر منها جداول مقترحات، أو محض أراء للمناقشة تقوم على عملية إصلاح عميقة تخترق حصن الخمسة الكبار في العالم وتوسعتها بما يضمن الاستقرار والسلم الدوليين، بدلا من التصادم الحالي، على أن تتبخر القطبية الأحادية الراهنة أمام رياح التعددية القطبية التي ستجعل من العالم أكثر حكمة وتعاونا وتضامنا كذلك، مثلما تضع الجزائر على طاولة الأمم المتحدة حلا جذريا لمعضلة الشرق الأوسط عبر خيار حل الدولتين وفرض الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية كأمر واقع.

وينتظر مما تبقى من مأمورية الجزائر في مجلس الأمن الدولي الكثير في قيادة القارة الإفريقية التي تتحدث باسمها في تأميم أمنها الترابي والاقتصادي وتخليص شعوبها من هيمنة السياسات الاستعمارية التي لا ترى في القارة سوى محمية وحديقة خلفية للاستراحة، وهو ما ترفضه القارة اليوم من خلال “الدرس” الذي لقنته لمستعمر الأمس فرنسا في أكثر من بقعة جغرافية واحدة، وهو درس آخذ في الاتساع إلى أن تدرك القوى الرجعية حاجة القارة إلى شركاء متعاونين وليس إلى مرتزقة تقودهم مهمة صيد الغنائم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.