![](https://cdn.elauresnews.dz/wp-content/uploads/2024/08/اولمبياد.png)
تعدى رد الملاكمة الجزائرية إيمان خليف بتألقها في أولمبياد باريس حدود الرد على الاتحاد الدولي ـ غير الشرعي ـ للملاكمة ليشمل في “تأديبه” طبقة واسعة من السياسيين ودكاكين الإعلام التي تزعجها نجاحات أبناء الجزائر لكونها تذكرهم في كل مرة بصفحات التاريخ المشرقة لهذا البلد العائد بقوة إلى الواجهة الدولية، والذي أبهر رياضيّوه في الأولمبياد الحالية العالم أجمع وهم يلقنون أنصاف الرجال وأشباه الأمم فنون “المقاومة” التي تأخذ في عروق الجزائريين مجرى الدم والمعنى الحرفي لمقولة “الضربة التي لا تقتلك، تقويك”.
عبد الرحمان شايبي
فتح انتصار البطلة الأولمبية كيليا نمور في منافسات الجمباز الباب على مصراعيه أمام تألق المشاركة الجزائرية التي تعطيها أولمبياد باريس على وجه التحديد توابل خاصة ومذاق الإصرار والتحدي وكذا الرغبة المفرطة في رفع العلم الوطني عاليا على الأرض التي ترتبط بخصام التاريخ أكثر مما تطويه تطلعات الحاضر وحسابات المستقبل حسبما وثقته صورة إلقاء الورود في نهر السين من طرف الوفد الجزائري عشية افتتاح الأولمبياد تذكيرا بما جرى في 17 أكتوبر 1961.
ولم يفتح تتويج “فراشة” الجمباز الباب أمام مواطنيها في تقفي أثرها فحسب، بعدما قاد هذا التألق الاستثنائي إلى فتح أبواب المساءلة على فرنسا ذاتها وكيفية تضييع جوهرة ذهبية من معدن “كيليا” التي انضمت إلى المنتخب الوطني الجزائري قبل ثلاث سنوات فقط قادمة إليه من قلب فرنسا.
يأتي ذلك في الوقت الذي خرجت فيه منازلات بطلة ألعاب البحر الأبيض المتوسط “إيمان خليف” عن إطارها الرياضي السليم منذ ظهورها الأول على مسرح الألعاب في ما بدى “مؤامرة” متكاملة الأركان على القفاز الجزائري الذي برغم الأهلية القانونية وموجة التعاطف والتأييد الرسمي والشعبي مع البطلة إيمان لا يزال التآمر مستمرا بشكل أو بآخر في الخفاء وفي أروقة الكواليس من ذات الأشخاص والأبواق التي حادت عن شرف ميثاق الأولمبياد حينما قادت حملة “تدميرية” ظالمة ذكرت الرأي العام العالمي بما يجري من ظلم داخل غزة ضد لاعبة تحوز على كل المؤهلات البيولوجية والقانونية في المشاركة، وجعلت منها إيقونة كفاح وبطلة أولمبية قبل الأوان، مثلما زادها التهجم والتنّمر خارج إطار الأخلاق الرياضية إصرارا أكبر على رفع الراية الوطنية وإعادة إسماع “قسما” لجميع من آلمهم العزف أول مرة على يد الجمبازية نمور.
وتشرح الظروف المحيطة ببطلة القفاز النسوي الجزائري أجواء حرب مستعرة لم يعد أسفل الطاولة يخفيها أو يمنعها من الاشتعال علنا، مثلما تشرح ذات الظروف الحرب النفسية المدمرة التي حيكت ضد الإرادة الفولاذية للجزائرية إيمان خليف وهي إرادة استمدتها حسبها من الالتفاف الشعبي والتأييد الرسمي آخرها رسالة “الإنصاف” من رئيس لجنة الأولمبياد الدولية الألماني “توماس باخ”.
كما تكشف مساندة رئيس الجمهورية لهذه البطلة خصيصا أن اصطفاف الدولة الجزائرية خلف رياضييها أكثر من شعار، حيث خُصت الملاكمة إيمان خليف برسائل تبريكات ومساندة شخصية عقب كل منازلة ومع تجاوز كل دور تصفوي من قبل رئيس الجمهورية السيد عبدالمجيد تبون. ويفسر هذا الحرص الكثير مما يجري حقيقة في عتمة العاصمة باريس للنيل من سمعة الجزائر ومن عزيمة أبنائها.
ولا تكتفي المشاركة الجزائرية بهذا الحد من التألق حتى الآن، في انتظار تسليط الأضواء على بطل المسافات نصف الطويلة العدّاء “جمال سجاتي” أحد أبرز المرشحين لحصد الذهب مجددا في اختصاص 800م، والدفع باسم الجزائر عاليا في قائمة الدول المتوجة بالمعدن النفيس خلال أولمبياد باريس 2024. أمر في حال تحقق أن يفتح باب “الأوجاع” على مصراعيه أمام الدول التي لم تسجل حضورها على لائحة الترتيب العام حتى الآن، ولا تزال حصيلتها لم تبرح وضع “الصفرية” في كل الاختصاصات.
وتتوالى الإنجازات الرياضية الجزائرية اللافتة في ظل “قطيعة” دبلوماسية افتعلتها باريس إثر اصطفافها خلف رؤية “الغازي” الأخير في القارة الإفريقية بدافع الحنين الاستعماري الذي لم يغادر وجدان فرنسا الرسمية رغم عقود الأزمنة، ورغم رفعها راية الأولمبياد الداعية للتآخي ومد الجسور بين الشعوب لا قطعها بسبب النزوات والأهواء التي تسكن عددا من الرؤوس داخل بيت القرار الفرنسي والتي لم تفهم رغم كل الدروس أن العالم تغيّر، ولا يزال يُهيأ لها أن القرن الواحد والعشرين يحتمل المزيد من المظالم والعبودية حسب منطق تلك الرؤوس التي توقف بها الزمن عند توقيت الساعة الرملية.
وتعطي الانطباعات المستقاة من قلب الحدث الرياضي أن الجزائر ماضية في محفل الأولمبياد بثبات نحو حصد المزيد من ذهب باريس “الغالي” الذي وإن تحقق باقتدار رياضي، فإنه في المقابل جاء بأقل جهد “سياسي”.