
حين يعلن مسؤول من النوع الثقيل والخشن أن نسبة التغطية بالمطاعم المدرسية تجاوزت التسعين بالمائة وهو يتفقد بعضا منها، فإن لسان المغلوب على أمرهم و المتحسبين لها سيعجز عن التعبير وربما قد يكذب معلوماته بناء على حساباتهم الدقيقة العميقة التي تستند إلى واقع معاش كما يقال ويذكر، وسيشعر الجائع بالشبع فعلا وهو يتفرج على تحركات وصور “الشبعانين” الذين يحومون هنا وهناك ويوثقون زياراتهم الرسمية وتحركاتهم الميدانية التي تدخل في إطار المهام التي كلفوا ولم يشرفوا بها، حتى يشعر بالخزي إن حاول يوما أن يعارض ويقول أن المطاعم المدرسية لا زالت تشكل الحلقة المفقودة في حياة التلميذ وأن جزءا كبيرا منها ليس إلا حبرا على ورق.
فتلك الهياكل التي يطلق عليها اسم المطاعم لازالت بعيدة كل البعد عن مقامها ووظيفتها ومهامها، عدا بعض المطاعم النموذجية التي غالبا تتحول إلى قبلة للمسؤول كلما أبرق مصالحها بأنه سيشرفها بالزيارة التي لو كانت فجائية تفتيشية فعلا لكانت أكثر صدقا ولأبلغت المسؤول ألف خبر عن التجاوزات الخطيرة والكبيرة التي تعاني منها مطاعمنا، وعن الاختلاسات والفساد المتعارف عليه والمغفل عنه، وعن تلك اللقمة التي تحولت من خدمة مقدمة من طرف الدولة إلى صدقة يتبعها منٌّ وأذى وربما أكثر من ذلك استغلال لها لتحقيق مآرب أخرى ومصالح شخصية لم يكن المسؤول دائما في غفلة عنها، بل لعله متواطئا معها ومستفيدا منها بطرقية ما.
فتلك الحسابات والتصريحات قد أفسدت تحسباتوترقبات وآمال المغلوب على أمرهم من “الفقراء والمساكين” الذين ينظرون للمطعم المدرسي على أنه فضل ونعمة وفرج، ربما يترقبون كل دخول مدرسي جديد حتى يضمنوا لقمة تقي أبناءهم شر الجوع في أحضان دولة ضمنت لهم المجانية في التعليم والصحة والخدمات، وظلت تدعو لتكريس ذلك وتعزيزه لتفسد نفس الحسابات على الفئة الأضعف حساباتها الخاصة، فتحسب عليها المطاعم التي لم تستفد منها كما يجب أو أنها لم تلمح خدماتها أصلا، كتلك التي ظلت مخططات على ورق بميزانية وغلاف مالي مستهلك، فهناك اختلاف دائما بين حساباتهم وتحسباتنا.
نوارة بوبير