
أكثر ما أصبح يشكو منه المواطن الجزائري هو ذاك الاختلال القائم ما بين احتياجاته ومتطلباته وبين مداخيله سواء أكانت مستقرة أو غير مستقرة ومتذبذبة فالجميع في همّ سواء، يجمعهم الغلاء المعيشي ورداءة السلع وسوء استغلال المضاربين والتجار والتسيير الأعرج للبرامج والمُعيق لكل تقدم أو تغيير منشود..
ولا يمكن إنكار الحالة البائسة التي يعيشها الشعب الجزائري في السنوات الأخيرة من ظلم اجتماعي و”حقرة” إدارية وتعسف في جميع الأجهزة الحيوية وقطاع الخدمات المتعثر وقد اجتمعت جميعها سلبا على “رأس المواطن” المشدود يوميا من هول ما يتلقاه من أزمات وضربات ومشاكل لا حصر لها..
وقد أصبحت “الميزيرية” وقلة ذات اليد وشح الجيوب والمعاناة جزءا من حياة المواطنين يتخبط فيها الملايين وهذا ما ساهم في خلق مشاكل اجتماعية وأخلاقية وصحية أيضا بسبب سوء التغذية وتدهور الأحوال، ورغم هذا التنوع الزراعي والاقتصادي الذي تشهده البلاد والوفرة الإنتاجية والاكتفاء المسجل في كثير من المحاصيل والمنتجات إلا أن هذه “البحبوحة” لم تنعكس على الحياة العامة بقدر ما أثارت الجدل بشأن تسعيرها وتوزيعها وترويجها بحسب متطلبات السوق الداخلية والخارجية التي دخلت في صراعات كبرى تقف وراءها أجنحة عميلة تسعى لكسر كل تقدم فلاحي وصناعي للتمكين للتبعية واعتراض كل استقلال يخلص الجزائريين من معاناتهم ويرتقي بالاقتصاد الوطني الذي سيلقي بضلاله على مستوى المدخول الوطني..
وقد أصبح هم الجزائري كيف يحصّل “دنانيره” المعدودة من أجل شهر لا يخلو من الديون والمطالبين والفواتير والغرامات والأحداث المفاجئة والحوادث غير المتوقعة حتى تدنت كثير من أخلاق الناس وساءت تصرفاتهم، وكل هذا يعود لذاك الاختلال المذكور آنفا بين المداخيل والمتطلبات، وقد يستغرب البعض تلك الدراسات التي تؤكد تورط تدني المداخيل في الإصابة بالأمراض المزمنة على كثرتها ما يعني من جانب آخر تضخم الميزانيات التي توجه لهذا الشأن بدلا من أن توجه تلك الأموال لصالح المواطنين ولصالح تحسين مستواهم المعيشي وقدراتهم الشرائية وهذا ما يستوجب ولا ريب مراجعات عميقة عملية وميدانية وفعالة وغير قابلة للمساومات أو التلاعبات أو تعرضها لأيدي الفاسدين الجاهزة دائما لتعطيل المشاريع والبرامج وتفكيك فتيل قنبلة اجتماعية موقوتة على تمام الانهيار المتوقع إن لم تُستدرك الأوضاع في أوانها الذي لن يحتمل التأجيل والمراوغات السياسية.
سماح خميلي