
تولت خيارات الناخب الوطني جمال بلماضي إسدال الستار على مسيرته بجانب مسيرة منتخب حفلت بالأفراح كما الخيبات، ليغادر من ولّاه فخامة الشعب حقيبة وزير السعادة على وقع ذكرى حزينة ألمت بكل المناصرين الجزائريين وكأن الكوتش جمال أراد في آخر محطاته على عارضة الأفناك أن يبقى وفيا في صناعة البهجة لكن بنقلها هذه المرة إلى معسكر من أزعجهم وجوده على رأس المنتخب أول مرة وأزعجهم أكثر بقاؤه بعد نكسة الإخفاق في اللحاق بمحفل الدوحة العالمي عندما سُرقت آخر “قضمة” من كعكة المتأهلين الأفارقة من أفواه المحاربين على ملعب “تشاكر”.
عبد الرحمان شايبي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غادر أقوى المرشحين على الورق العرس القاري بكوت إيفوار على نحو “دراماتيكي” لم يتوقعه أشد المتشائمين وهم يرون من كانوا بالأمس القريب فقط يتزاحمون على مقاهي العاصمة نواقشوط من أجل الاستمتاع بـ “سحر” البارع محرز على الملاعب الأوروبية وقد أرسلوا به إلى جانب ترسانة كاملة من النجوم على أول طائرة تلتقط إحداثيات مطار هواري بومدين، وفي واحدة من “المفاجآت” المدوية التي لم تهضمها الجماهير حتى الآن ولا زالت تُمني النفس بالاستيقاظ من كابوس مريع أنهى مشوار الخضر بأرض الفيّلة وتعداه إلى إنهاء مسيرة مرتقبة لعديد اللاعبين بعدما تأكد بصفة قطعية وصول القبطان جمال بلماضي إلى محطة نزوله الأخيرة بعد رحلة 06 سنوات أشرف فيها على قيادة سفينة المحاربين.
وتشير كرونولوجيا الأحداث أن سفينة المحاربين التي ارتطمت سهرة السبت المنصرم بأرضية ملعب السلام أمام “رياس” المحيط الأطلسي الموريتانيين هي من صناعة “القبطان” بلماضي بعد أن تسلمها أول الأمر في شكل ألواح مهترئة وأشرعة ممزقة نخرها الفساد الإداري وأنهكتها الفلسفة الرياضية في غير محلها وتكفي الإشارة لسنة 2018 التي تسلم فيها بلماضي زمام الخضر للدلالة على الوضع العام بالبلاد والذي لم تكن فيه الكرة الجزائرية أكثر من ترجمة حرفية لمنظومة حكم كاملة تعفنت بالفساد وتسلق الانتهازيين إلى مراكز القرار وغياب كل ما يرمز للمهنية والاحترافية من هرم الرئاسة في المرادية إلى تركيبة أدنى مجلس بلدي في أقاصي الوطن.
وتحمّل صانع أفراح نادي لخويا القطري مسؤولية البناء من جديد قاد فيه التفاني و”الوطنية” بالدرجة الأولى إلى قطف أغلى الثمار سريعا عبر التتويج باللقب القاري مباشرة في نسخة الفراعنة سنة فقط من تاريخ الاستلام بالنسبة لمنتخب اعتاد على المغادرة باكرا في أعراس القارة ومن الدور الأول مثلما حدث في دورات: 1992 ـ 1998 ـ 2002 ـ 2013 ـ 2017 والغياب كليا عن الموعد الإفريقي مثلما توثقه دورات: 1994 ـ 2006 ـ 2008 ـ 2012 ـ في حين سجل أقصى حضور بالعودة إلى الديار من مباريات الـ 16 في مناسبات: 1996 ـ 2000 ـ 2004 ـ 2015
ومنذ بلوغ الذروة في عام 1990 وانتزاع التاج الأغلى قاريا على يد المجاهد المرحوم عبدالحميد كرمالي تجدد طيف الحلم مرة واحدة فقط مع شيخ المدربين رابح سعدان في دورة أنغولا 2010 ببلوغ المربع الذهبي في ما عدى ذلك لم يكن الجلد المنفوخ في الجزائر أكثر من حلبة صراعات فئوية ومسلك آمن لتبديد المال العام بين “جماعة” دالي ابراهيم لأغراض تعدت في الكثير خدمة الرياضة إلى تضخيم الحسابات وملء الأرصدة بعدما تحولت الاتحادية إلى مغارة علي بابا اغترف منها المحلي والأجنبي بجنب المعلوم والمجهول دونما حسيب أو رقيب.
ولا يشفع لبلماضي جلبه “الكحلوشة” من أم الدنيا إلى أرض الوطن فقد تعاقد هو الآخر كأغلب من سبقوه إلى العارضة الفنية للأفناك على العودة مبكرا في المحافل القارية في 2021 بالكاميرون، تلاها الإقصاء “المر” من العرس الجاري حاليا بكوت ديفوار من الدور الأول مباشرة في كلا المشاركتين في حين تتجسد “قساوة” النسخة 34 الحالية في تدحرج رأس المجموعة الرابعة إلى ذيل الترتيب وتأهل 03 منتخبات من المجموعة مع مغادرة منتخب وحيد هو “المحاربين” بعدما ألبستهم التوقعات والتحليلات “برنوس” النهائي كأقل ما ترضاه كتيبة بلماضي وفق توقعات الناخب نفسه.
والمتتبع لمسار المشاركات الجزائرية في كأس إفريقيا للأمم يدرك ببساطة أن الخضر وإن شكلوا منتخبا يفرض ثقله الاحترام على بقية المنافسين قياسا بالإمكانيات وأسماء النجوم التي يضمها إلا أن المنتخب لم يكن عريقا على صعيد التتويج في المسابقة بخلاف ما يروج له المختصون والمحللون في البلاطوهات ممن لم يتوانوا على تقديم زملاء محرز في ثوب البطل والمرشح الأول لإدارة النهائي وغيرها من “المغالطات” التي فرضها الجهل بقواعد اللعبة أو غالبت فيها توقعات العاطفة منطق الأشياء على الميدان.
ومع أن الناخب الوطني “المغادر” حقق انتصارات لافتة أكثرها “تلألؤا” وتشريفا للتاريخ الكروي الجزائري تمثل في تطريز القميص بالنجمة الثانية في دورة 2019 تعدت معه صناعة الفرح الرياضي إلى ضخ الآمال في الجزائر المنتفضة حينها ضد نظام بأكمله أجبرته الإرادة الشعبية على التنحي جانبا تحت الإكراه ما جعل من انتصار القاهرة التاريخي أول لبنة في بناء “الجزائر الجديدة” التي انبثق مفهومها مع نهاية نفس السنة 2019 وهو ما ينظر إليه المراقبون كعقد “معنوي” جمع الكوتش جمال بالشعب الذي ولاه حقيبة “وزير السعادة” قبل الأنصار.
ورغم هذه الرمزية التي حظي بها الأخير إلا أن مسيرة صانع ألعاب الأفناك مطلع الألفية لم تكن مفروشة دوما بالورود أو النهايات السعيدة فقد تكرر الإخفاق في ثلاث مناسبات قاسية جدا لم يستسغها حتى أولئك الذين جددوا مع بلماضي العهد ومواصلة الإشراف على المحاربين أولها الخروج من ذات الدور في أمم إفريقيا 2021 بالكاميرون تلتها “لعنة” الكاميرون أيضا في سرقة بطاقة مونديال قطر 2022 داخل الديار وأمام الأنصار الذين يشكلون فارقة “عالمية” عن بقية نظرائهم في العالم حيث دأب اللاعب رقم 12 في الجزائر دخول الملاعب من الثامنة صباحا لمتابعة مباريات تجري في حدود الثامنة مساءا وهي “التضحية” التي لم يقابلها بلماضي وكتيبته كما تستحق في موقعة تشاكر ليلة الإقصاء المر أمام منتخب قهره الجزائريون على ملعب عاصمته ياوندي.
وتمددت الخيبة لتنال من مشاركة الخضر في النسخة الحالية بكوت ديفوار في سيناريو لم يخطر ببال أشد المتشائمين خاصة بعدما سبقت مخططات المخزن المغربي التشويش على مشاركة محاربي الصحراء عبر محاولات الإيقاع بين الجماهير المتنقلة من الجزائر ومواطني مدينة بواكي أول الأمر، ثم مع المرابطين عشية ثالث لقاءات المجموعة الرابعة وهي المخططات التي انقلبت على صانعيها في الأخير.
ويبقى السجل حافلا بالأرقام في مشوار الناخب الوطني جمال بلماضي خلال مسيرة 06 سنوات توسط فيها بين إيطاليا والبرازيل بمجموع 35 مباراة متتالية دون هزيمة ولم يذق طعم الإخفاق والهزيمة في مشوار 62 مباراة سوى في ست مناسبات فقط، وهي أرقام تجعل من محاولة “شيطنته” بعد الإخفاق الأخير بمثابة إطلاق نار على سيارة الإسعاف.