إسلاميات

ثبات الواثقين

خواطر إيمانية

يريد الله سبحانه وتعالى أن يرى منا ثبات المؤمنين الواثقين في رحمته، ويقينا نبرهن به عن الطاعة والولاء لله جل وعلا واقتداء بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام نواجه المحن بهذه الآية الرقراقة الجميلة التي تتجلى فيها رحمة الله ورِفقه بعباده: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: 63].

المؤمن المحب لربه يعلم أن الأمور كلها بيد الله، فلا يخاف ولا يسخط ولا يجزع؛ بل يفزع إلى الصلاة، ويعلم – وإن ضاقت عليه الدنيا بما رحبت – أن الله سيفتح له أبواب الفرج من حيث لا يحتسب.

فلا بال يقلق، ولا خاطر يتوجس خيفة من المجهول، هو سلم الأمر لله وانتهت قضيته مع المخاوف، يمضي في دروب الحياة بقلب واثق من ربه، حتى لكأنه يرى ببصيرته المؤمنة من خلال المحن منحا تتزين وتشرئب متطلعة إليه فرحة مهللة، يردد دائما: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5، 6]، فأنى لعسر أن يغلب يسرين، وقد تهللا فرحا وطربا بقلب يعمره اليقين والإيمان؟

المؤمن جبل شامخ لا تزيده النوازل إلا رسوخا وثباتا، حتى لكأنه يهمس للزمن: إنما النصر صبر ساعة، هذا عندما تَنبُت نبتة الثقة في الله في النفوس، وتنمو وتترعرع، فتربِّي بداخلنا حسًّا مُرهفًا دائم الصلة بالله، يتطلَّع إلى السماء بتفاؤل وابتسامة مرسومة تُظلِّل مشاعره؛ لأنه يعلم أن بعد الليل فجرًا ساطعًا، وبَعد الفقر غنى، وبعد كل دمعة ابتسامة وفرحة، قلبه يرتوي من مَعين الآيات الكريمة، حتى لكأنه يرى نصر الله وراياته تَخفُقُ في الأفق، وتكبيرًا وتهليلاً تَهتزُّ له أركان الكون، يستمع بقلبه المُرهَف إلى كل المخلوقات تُهلِّل وتكبِّر وتحمَد الله وتسبِّحه، هو يعيش بإيمانه حرًّا أبيًّا لا يستكين ولا يلين، فالله يحب من يكون قويًّا بإيمانه، واثقًا بربه، لا تَهُزه الابتلاءات والامتحانات، كلها مراحل تقرِّبه من سعادته الأبدية، صبر ساعة وسيتحقَّق الوعد الموعود.

لا يمل ولا يكل وهو يحمل هذا الخافق الدائم الاتصال بربه، يتسلح بإيمانه، بصلاته، بخشوعه، بدعائه، ببكائه وهو يناجي ربه، فأنى لصوارف الدهر أن تغلِب همته؟.

همة سامقة شامخة؛ ترنو إلى الأفق، وتَشَمُّ عبيرَ سلفٍ عاشوا على خطى الحبيب، واقتدَوا بالرجال الذين علَّموا الدنيا أن الإيمان مدرسة، فيها يتخرَّج أساتذة الحياة الناجحون السائرون على درب مَن أنعم الله عليهم وبلَّغهم الدرجات العلى، أنى له أن ييْئَس ويفكِّر مِثلَ الذين حادت بهم عقولُهم الفارغة عن جادة الطريق فانتحروا؟ يَسخَر من هذه الأفكار التي تَسرَّبت إلى أمته الأبية، كيف ييئس من يَحمِل همَّ هذا الدين؟ كأني بك تردد قول الله – سبحانه وتعالى -: ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 62].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.