“ثازيري دواخة” كاتبة تستهويها فلسفة “ألبير كامو” و”غوغول” العبثية فحولتها الى ترجمات أمازيغية وجودية
الكتاب حاضر بمعرض سيلا الدولي
من العبقرية جدا، أن نجد شابة في مقتبل العمر الإبداعي تكتب لفلسفة العبثة والوجود لكل من “البرت كامو” والأديب الروسي “نيكولاي غوغول” بلغة أمازيغية عميقة، والشيء الذي يدعو للفخر أن تكون أعمالها ضمن المعرض الدولي للكتاب في طبعته السابعة والعشرون والذي حاز على ثناء واعجاب جماهري بنطاق واسع، ولم تكن حدود الترجمة للفلسفة الوجودية ليتوقف هنا بل تجاوز سقف الرواية ليلامس الشعر الفلسفي إلى جانب أعمال أخرى ستكون ضمن مؤلفاتها التي ستبصم خلالها تجربتها الأدبية والابداعية.
حوار: رقية لحمر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما الفكرة الكامنة وراء ترجمتك لكتاب “الغريب” لألبير كامو” الى الامازيغية؟
الفكرة الكامنة وراء ترجمتي لكتاب “الغريب” لألبير كامو إلى الأمازيغية كانت تتمحور حول إتاحة هذا العمل الفلسفي العميق لأوسع جمهور ممكن من الناطقين بالأمازيغية، والذين قد يجدون في هذه الترجمة صدىً لتجاربهم وقضاياهم. “الغريب” ليس مجرد رواية، بل هو نص يعالج قضايا الوجود، والعبثية، واللاجدوى، وهي مواضيع قريبة من حياة كثيرين ممن يعيشون في بيئات تتقاطع فيها الصعوبات الاجتماعية والثقافية مع شعور بالاغتراب.
أردت أن يتمكّن القرّاء الأمازيغ من رؤية انعكاسات فلسفة كامو على واقعهم، وأن يتعرفوا على هذه الرؤية من خلال لغتهم الأصلية، مما يسهم في إثراء الثقافة الأمازيغية بنصوص عالمية وتوسيع أفق القارئ الأمازيغي عبر الأدب الفلسفي.
ارتكز البير كامو على فلسفة الحياة العبثية، كيف أمكن ترجمة هذه الفلسفة، وهل وجدت صعوبة في ذلك؟
لم اجد صعوبات كثيرة، لكن احيانًا، أجد صعوبة في نقل التراكيب اللغوية والنغمات الثقافية التي تُحمّل اللغة الأصلية بثراء تاريخي أو عاطفي معين، لأني أخشى أن النص المترجم قد لا يصل بالشكل ذاته إلى قارئٍ جديد. هذا التحدي يتطلب الكثير من المحاولة والتوازن، ويمسّ قلبي عندما أشعر أن شيئاً ما فُقد أو تغيّر رغم كل الجهود.
ثم ترجمة لقصة “المعطف” لأب المدرسة الواقعية الاديب الروسي نيكولاي غوغول، كيف كانت التجربة؟
التجربة الأولى جعلتني اتعلم و اكتشف عدة اشياء و قمت بتدارك بعض الاخطاء التي ارتكبتها في الترجمة، كانت تجربة فريدة ومليئة بالتحديات، لأنها تتطلب الغوص في أعماق الأدب الروسي وفهم دقيق للواقع الاجتماعي والنفسي الذي صوّره غوغول ببراعة. “المعطف” تعتبر من الأعمال التي تمزج بين الواقعية والسخرية اللاذعة، وتلتقط تفاصيل الحياة اليومية للشخص البسيط الذي يعاني من الفقر والاضطهاد، وهي قضايا يمكن للقارئ الأمازيغي أن يتماهى معها ويفهمها بعمق.
أثناء الترجمة، كان عليّ أن أنقل مشاعر البطل أكاكي أكاكيفيتش وصراعه مع مجتمعه بأسلوبٍ يُبرز جوهر القصة وروحها المأسوية الساخرة. كان هناك تحدٍ كبير في إيصال النبرة الساخرة التي يستخدمها غوغول دون أن أفقد حس التعاطف الذي يولده تجاه بطل القصة. بالإضافة إلى ذلك، تطلّب العمل إعادة صياغة بعض التراكيب اللغوية لتناسب الثقافة الأمازيغية، لكن دون المساس بروح النص الأصلي.
بالمجمل، كانت تجربة غنية وملهمة لأنها سمحت لي بإعادة إحياء نص كلاسيكي ضمن إطار ثقافي ولغوي جديد، مما أتاح لي تقديم عمل غوغول الرائع لقارئ أمازيغي قد يجد في معاناة أكاكي انعكاساً لجوانب من تجربته الشخصية.
ثازيري لم تتوقف عند حدود القصة والرواية، بل تجاوزت ذلك الى الشعر الفلسفي، ما مبعث انسحارك الطّاغي نحو الكتابة الفلسفية رغم ان تخصصك علوم التسيير وتخصص آخر في الامازيغية؟
شغفي الدائم بالبحث والقراءة في الانتروبولوجيا واللغات والتاريخ الإنساني والفلسفة ترك لي تساؤلات مبهمة لم استطع الوصول لإجابتها، كنت أبحث عن خفايا الطبيعة، عن اسرارها وعن تطور الانسان كتبت الشعر الفلسفي لأنه يمنحني مساحة للتأمل والتعبير عن الأسئلة العميقة في الحياة، والأسئلة التي تراودنا جميعاً عن الوجود والمعنى. الشعر بالنسبة لي هو وسيلة للتواصل مع الذات ومع العالم من حولي، وللتفكير في جوانب الحياة بطرق أعمق مما تسمح به النقاشات اليومية لأنني أجد فيه فضاءً واسعاً للتأمل والتعبير عن أفكاري وتجاربي الشخصية، فهو يعطيني حرية التفكير بعيداً عن القيود اليومية.
يتعاطى الكتاب شكلا سيئا من العناوين المتعرية من الدلالة والفلسفة، هل هذا خيار غير ناضج بالنسبة لك؟
لا أرى هذا الخيار غير ناضج، بل هو أسلوب مقصود لتعزيز الجو الفلسفي والعبثي للكتاب. العناوين المتعرية من الدلالة والفلسفة قد تبدو لأول وهلة غامضة أو حتى محايدة، لكنها تهدف إلى ترك مساحة للقارئ لاستكشاف المعنى بمفرده، دون توجيه مسبق من العنوان. في الشعر الفلسفي، الغموض والتجرد من العناوين المباشرة يمكن أن يكون دعوةً للتأمل، حيث يجد القارئ نفسه أمام نصٍ مفتوح على التأويلات، متحررًا من إطار مسبق يفرض عليه تفسيرًا محددًا.
هذا الخيار يسمح أيضاً بتجسيد فلسفة العبث التي تؤمن بأن المعنى قد يكون منعدمًا أو متأرجحًا، حيث يجب على القارئ أن يخوض تجربة فكرية وشعورية ليخلق المعنى بنفسه. في هذا الإطار، العناوين المتعرية هي جزء من الرسالة الفلسفية للكتاب، وهي تعكس عمقًا وتجربة ناضجة في الكتابة، حيث لا يتم تقديم الإجابات بسهولة، بل يُترك القارئ ليتساءل ويتعمق في النصوص.
كيف تصفين اتجاهك الفني، هل ترين نفسك كاتبة أم مترجمة أو عاشقة للفلسفة؟
سأصف اتجاهي الفني بأنه مزيج من الأدوار الثلاثة—الكتابة والترجمة والفلسفة. فأنا أؤمن أن كل واحدة منها تغذي الأخرى وتضيف عمقًا إلى تجربتي الفنية. الكتابة هي صوَتي الخاص، حيث أعبّر عن رؤىً وتجارب تنبع من داخلي، خاصة في الشعر الفلسفي الذي يمثل محاولة للتعبير عن العبثية وجوهر الحياة بعمق وصدق. أما الترجمة، فهي وسيلة لنقل تجارب وأفكار أخرى إلى لغتي وثقافتي، التي تعكس رغبتي في جعل النصوص متاحة لقراء أوسع ضمن سياق لغوي جديد. أما الفلسفة، فهي القوة الدافعة التي تجمع بين الاثنين، فهي تمنحني الرؤية والعمق، وتلهمني لأتجاوز السطح إلى الأعماق في كل ما أكتب أو أترجم.
شاركت في المعرض الدولي للكتاب بسيلا، كيف كان انطباع القراء لك حول هذا المؤلفات الفلسفية المترجمة بالأمازيغية؟
كانت المشاركة في المعرض الدولي للكتاب بسيلا تجربة مميزة، ومثّلت فرصة للتفاعل المباشر مع القراء والتعرف على انطباعاتهم تجاه المؤلفات المترجمة إلى الأمازيغية.او بخصوص كتاب القصائد تباينت الآراء، لكن كثيرًا من القراء أبدوا اهتمامًا كبيرًا وفضولًا تجاه هذه الترجمات، و الكتابات حيث وجدوا فيها نافذة جديدة على الفلسفة العالمية بلغتهم الأصلية. هناك من شعر بالدهشة لأن نصوصًا مثل “الغريب” أو “المعطف” أصبحت متاحة بالأمازيغية، وأعربوا عن تقديرهم للجهد المبذول في إيصال أفكار كامو وغوغول بشكل يجعلها قريبة من واقعهم وثقافتهم.
ماذا عن أكثر الأشياء إيلاما في مسيرتك في الترجمة؟
أكثر الأشياء إيلامًا في مسيرتي في الترجمة هو الإحساس أحيانًا بأن بعض جوانب النص الأصلي قد تفقد شيئًا من عمقها أو جمالها خلال عملية الترجمة. فالفلسفة، والأدب على وجه الخصوص، يحتويان على تفاصيل دقيقة في اللغة، تترابط بشكل لا يُفصل عن النغمة والثقافة، ما يجعل نقلها إلى لغة أخرى تحديًا كبيرًا. أشعر أحيانًا بأنني، رغم كل جهدي، قد لا أستطيع نقل كل الأبعاد العاطفية والفكرية للنص إلى القارئ بنفس القوة والتأثير.
بعد تجربة الترجمة، هل سنشهد لك أعمال أدبية من تأليفك؟
عن قريب.
هل تسعين للمشاركة في جائزة رئيس الجمهورية للأدب الامازيغي بعد هذه التجربة العتيدة؟
طبعا سأشارك.
من من للشخصيات الفلسفية والأدبية التي ترينها بجانب الكاتبة ثازيري؟
أرى شخصيات فلسفية وأدبية مثل جبران خليل جبران، بأفكاره العميقة التي تمزج الفلسفة بالشعر، وتولستوي بروحه الإنسانية التي تبحث في أعماق النفس البشرية عن المعنى، وكافكا بأسلوبه العبثي وتعبيره عن الاغتراب والمعاناة الوجودية. هؤلاء الكتّاب يعكسون الجوانب الفلسفية والوجودية التي اتعمق فيها، وكذلك النزعة لتجاوز المألوف والغوص في معاني الحياة والغموض الذي يكتنفها.
ألبير كامو أيضًا، بروحه العبثية التي تتساءل عن جدوى الحياة والمعنى، يشكّل صلة فكرية وثيقة معي، مما يعكس اتصالًا فكريًا مع فلسفته. وأخيرًا، أرى إلى جانبي نيتشه، الذي يدعو الإنسان لتجاوز حدوده ولخلق قيمه الخاصة، وهي دعوةٌ تشبه دعوتك للقراء للتفكر وتشكيل المعنى من خلال العناوين المتعرية والأفكار الفلسفية.