العمود

تمييع الدولة

بصراحة

بغض النظر عما يسمى “بثورات الربيع العربي” التي كانت عبارة عن مخطط لإضعاف وخلخلة أركان بعض الدول العربية إن لم يكن جلها، إلا أن الأسباب التي سهلت عملية خروج الشعب السوري إلى الشارع قد تم انتقاؤها بعناية، وهي ممارسات عائلة الأسد وحاشيته في حق شريحة واسعة من الشعب السوري، ومن بين هذه الممارسات أن كان هناك تمييز بين الطوائف في التوظيف، وفي المعاملة، وبالتالي فقد كان هناك ما يشبه الطبقية في سوريا، حيث هناك طبقة “فوق الأرض” وطبقة تحت الأرض، وبالتالي، فإن من بين أهداف الثورة أن يسود العدل والمساواة بين الشعب الواحد، ولهذا، فقد كان يفترض أن يحرص من يتولون “زمام الأمور في سوريا” على القضاء على الممارسات التي أخرجت الشعب السوري للشارع عام 2011.

الذي حدث بعد تنحي الأسد، هو أن الآلاف ممن كانوا يعملون في مؤسسات الدولة عموما، وفي الجيش السوري على وجه الخصوص باتوا متخوفين من الخروج إلى الشارع، بل حتى العلويين، والغريب أن هناك “إعلاميين” محسوبين على “جماعة الجولاني” أصبحوا يوجهون رسائل إلى من تم ذكرهم مفادها أنه لا يستحسن خروجهم في هذه المرحلة، ووجب عليهم أن يلزموا بيوتهم، وما يفهم من هذا، هو أن جماعة الجولاني، الممثلة بالحكومة الحالية تعمل على أن “تخلو لها الساحة” لترتب كل شيء في “الدولة”، إضافة إلى الانتقام من كل من يعارض “سياستهم” بحجة أنه محسوب على النظام القديم، وهنا نتساءل، ما الفرق بين سياسة بشار الأسد وعائلته، وسياسة الجولاني وجماعته إن كانت هنالك دائما فئة أو فئات متخوفة تتحاشى “انتقام” من يتولى السلطة؟

الغريب في الموضوع، هو أن هناك ملامح تمييع للدولة من طرف جماعة الجولاني، فبمجرد تنحي الأسد حتى فتح قصر الرئاسة أمام من هب ودب من المحسوبين على الجولاني، من “ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي”، ومن “فنانين” وغيرهم، إضافة إلى فتح كل أفرع المخابرات وكل الدوائر الحكومية أمام العامة، وكأن الأمر يتعلق بعملية “تتفيه” أي جعل كل ما له علاقة بالدولة تافها، والأكيد أن من يفعل هذا ليس هدفه بناء دولة، وإرساء أسس العدل والمساواة بين أبناء الشعب، بل هتك “عرض الدولة” وجعلها “مرتعا”، لأن الغاية من إسقاط نظام الأسد ليس القضاء “على الممارسات الفاسدة” بل تمكين من لم يكن متاحا لهم “الاستفادة من الفساد” في عهد بشار ـ تمكينهم من الوصول إلى ما لم يصلوا إليه بشهادة الشعب “السعيد مؤقتا”.

سمير بوخنوفة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.