متابعات

“تفريغ غزة”.. ترامب يُخطط لتطهير عرقي

ترامب يُكمل ما بدأته الحركة الصهيونية نهاية القرن الـ 19

“التاريخُ يُعيد نفسه”.. مقولة جعل منها الزمن “حقيقة مُطلقة”، فصارت تُستخدم كمُلخص لشرح الكثير من الأحداث دون التعمق في أسبابها ولا معطيات حدوثها، وفي قضية فلسطين وغزة بالتحديد، عادت أسطورة “أرض بلا شعب وشعب بلا أرض” الصهيونية التي صُنعت نهاية القرن الـ 19 عن طريق أشهر زعماء الحركة الصهونية على غرار الصحفي المجري تيودور هيرتزل لتُشكل أساس واحدة من أخطر التصريحات التي أُدلى بها مسؤول أمريكي بخصوص القضية الفلسطينية، وذلك عندما أصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريحات جديدة على تهجير ما يُقارب المليونين من سكان قطاع غزة إلى دول مجاورة، وتحديدا مصر والأردن، بحجة إعادة إعمار غزة وإبقائها تحت “السيطرة الأمريكية” لتُصبح على حد قوله “قطبا اقتصاديا وعمرانيا يعيش فيها كُل سكان العالم”.

محمد بلقاسم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ترامب يتحول إلى “مطور عقاري” ويتعامل مع غزة كـ”أرض بلا شعب” !

جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعمه لمُخطط تهجير دائم للفلسطينيين في قطاع غزة إلى دول أخرى مجاورة، مشيرا إلى أن حل الصراع بشكل نهائي يمكن حسبه في خروجهم من غزة وأن بلدانا أخرى ستقبل إيواءهم، وخلال مؤتمر صحفي عقده ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض قبل انطلاق مُحادثات ثنائية بينهما طرح الرئيس الأمريكي خطته الجديدة لقطاع غزة والتي تتضمن ثلاث نقاط رئيسية أولها “تهجيز سكان القطاع بأكملهم إلى منطقة آمنة وجميلة”، وثانيها “سيطرة أمريكية طويلة الأمد على القطاع” وثالثها “إعادة إعمار غزة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وتحويلها إلى منطقة اقتصادية دولية يعيش فيها جميع شعوب العالم بما في ذلك الفلسطينيين”، وهي المقترحات التي خلّفت ردود فعل دولية كثيرة أغلبها رافض بشكل مُطلق للفكرة واعتبارها غير منطقية بتاتا لأنها ستُبنى على تهجير مليوني شخص من أرضهم التي ورثوها عن أجدادهم وتعبر موطنا لهم منذ آلاف السنين.

 

ترامب: “لا يُمكن العيش في غزة بعد الآن”

وحاول الرئيس الأمريكي بمقترحه المثير للجدل التأكيد على أن ما يجب فعله سيكون في صالح سكان غزة الذين عانوا من الحرب ومخرجاتها طيلة سنوات، إلا أنه كان قادرا على ثني نظيره الإسرائيلي على شن هجومات عسكرية على المدنيين في القطاع وبذلك تنتهي الحرب ويعيش كل سكان غزة في أمان بعيدا عن سلاح الجو الصهيوني، وتحدث ترامب في الموضوع قائلا: “الناس في غزة عاشوا الجحيم، وهي ليست مكانا للعيش، ولا أعتقد أنهم يجب أن يعودوا، لا يمكنك العيش في غزة بعد الآن، أعتقد أننا بحاجة إلى موقع آخر، أعتقد أنه ينبغي أن يكون موقعا يجعل الناس سعداء”، وأضاف: “غزة لم تنجح أبدا وإذا استطعنا العثور على أرض مناسبة وبناء أماكن جميلة سيكون ذلك أفضل من العودة لغزة، عندما تنظر إلى العقود الماضية، فإن كل ما تراه في غزة هو الموت، لقد كان هذا يحدث منذ سنوات”، وأتبع: “يجب أن يجدوا مكانا مناسبا يعيشون فيه فما يحصل في الأنفاق وغيرها فوضى، سكان غزة لم يشهدوا سوى الموت والدمار”.

 

“سنقوم بإعمار غزة ليعيش فيها كل شعوب العالم”

وأكمل ترامب تصريحاته المثيرة للجدل حين أكد أن غزة ستصبح “ريفييرا” الشرق الأوسط وأنها ستصبح موطنا لشعوب العالم، حيث لم يُقدم أي وعود لسكان غزة بالعودة إلى موطنهم بعد الإعمار وهو ما كان سيُرفض أيضا، بل قدم خطته الغريبة بطريقة “راديكالية” نالت إعجاب نتنياهو وهو يستمتع إلى كلماته ومخططه، وقال الرئيس الأمريكي حول الموضوع: “سنقوم بإعادة بناء غزة، يمكن أن تكون ريفييرا الشرق الأوسط، يمكن للناس أن يعيشوا في وئام ويمكن أن يكون مكانًا دوليًا لا يصدق، أتخيل أن شعوب العالم ستعيش هناك، وحيث يمكن للفلسطينيين أيضًا العيش فيها”، ورأى الكثير من المحللين السياسيين أن ترامب تعامل مع غزة على أنها أرض صالحة لمشروع عقاري واقتصادي وليست أرضا مُحتلة، خاصة وأنه أكد إعادة إعمارها سيكون بغرض جعلها منطقة سياحية واقتصادية عالمية وليس منطقة سكانية تعود لأهلها الذين عانوا من الحرب لسنوات كثيرة مثلما قال.

 

“أتحدث عن ترحيل كل الفلسطينيين من غزة وليس ترحيلا جزئيا”

وسُئل ترامب عما إذا كان يُفكر في منح الفلسطينيين فرصة العودة إلى غزة إن رغبوا في ذلك فأجاب: “آمل أن نفعل شيئا يجعلهم لا يرغبون في العودة، سنُخصص لهم مكانا بحيث يمكنهم العيش فيه وليس الموت، منطقة جميلة جدا حيث لا يرغبون بالعودة”، وجدد الرئيس الأمريكي التأكيد أن مكان الترحيل المُقترح من طرفه هو مصر والأردن، حيث شدد على أنهما سيقبلان استقبال ما يزيد عن مليون ونصف المليون غزاوي دون أي مشكل، وأجاب عن سؤال يخص الموضوع قائلا بثقة كبيرة: “مصر والأردن يقولان إنهما لن يقبلا بأخذ الفلسطينيين من غزة وأنا أقول أنهم سيقبلون، قد يقولون لا لـ بايدن وليس لي”، وأضاف: “أنا لا أتحدث عن ترحيل جزئي، بل أتحدث هنا عن ترحيل كل الفلسطينيين من غزة بشكل دائم، سنقوم بترحيل 1.7 مليون شخصا من غزة وإعادة توطينهم بشكل دائم في مكان آخر آمن”.

 

“الفلسطينيون متمسكون بغزة لأنهم لا يملكون البديل”

وعاد حفيد عملاق العقارات الألماني فريديريك ترامب للحديث عن غزة وتعميرها بطريقة رجل الإقتصاد لا الرئيس الأمريكي الذي وعد قبل أشهر قليلة بإنهاء الحرب وإعادة السلام، فخلال حملته الانتخابية لم يُصرح بمشروعه الحالي وإلا لكان قد لقي معارضة كبيرة جدا من الأمريكيين أنفسهم والذين انتقدوا يوم أمس هذه الفكرة باعتبارها أمرا غير منطقي على الإطلاق، وأكد ترامب أنه يُخطط للتخلص من كل مظاهر الدمار وخلق تنمية اقتصادية كبيرة في غزة، حيث قال: “غزة اليوم مكان غير صالح للعيش، سنتولى المسؤولية بتفكيك كل القنابل والأسلحة الأخرى الخطيرة الموجودة والتخلص من المباني المُدمرة وخلق تنمية اقتصادية من شأنها أن توفر أعداد غير محدودة من الوظائف والإسكان لسكان المنطقة”، وأتبع: “إنها كالجحيم اليوم، الفلسطينيون يريد العودة إلى غزة لأنهم لا يملكون البديل، لو كان لديهم بديل سيغادرونها دون رجعة”، والأكيد أن كلاما كهذا يبقى مُجردا بشكل كلي من الإحساس بقيمة الأرض والوطن، والذي يبدو أن ترامب لا يمتلكه رغم كونه رئيسا لدولته، حيث أن أصوله الألمانية ودخول جدة إلى أمريكا كمطور عقاري وباحث عن الدولار جعله يُفكر في كل شيء بطريقة اقتصادية بحتة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خارجية أمريكا: “يجب تطهير غزة من حماس”

مُخطط ترامب يواجه رفضا دوليا كبيرا 

وأثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مُخططه بسيطرة الولايات المُتحدة الأمريكية على قطاع غزة وإعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى ردود فعل دولية واسعة جدا، حيث عبّرت الكثير من الجهات باختلاف إيديولوجياتها أي تهجير للفلسطينيين خارج أرضهم، فيما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن مصادر مقربة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب تفاصيل عن ظروف إعداد خطته الجديدة بشأن قطاع غزة، ونقلت وصفها من طرف أحد المقربين من البيت الأبيض بالمقترح “المجنون”، أما وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو فدعم المقترح وأكد قائلا: “يجب تحرير غزة من حماس، وكما أشار الرئيس ترامب، فإن الولايات المتحدة مستعدة لقيادة غزة وجعلها جميلة مرة أخرى، إن سعينا هو تحقيق السلام الدائم في المنطقة لجميع الناس”.

 

ألمانيا ترفض وبريطانيا تقترح وجود دولتين

وفي أبرز ردود الفعل الدولية، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إن “غزة مثلها مثل الضفة الغربية والقدس الشرقية ملك للفلسطينيين” وأن “طردهم سيكون غير مقبول ومخالفا للقانون الدولي”، وأضات في بيان: “سيؤدي ذلك أيضا إلى معاناة جديدة وكراهية جديدة.. لا ينبغي أن يكون هناك حل يتجاهل الفلسطينيين”، ومن جانبه قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن بلاده ستكون مع الفلسطينيين على المسار المؤدي لحل الدولتين، وطالب بالسماح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وإعادة إعمار غزة، أما وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي فطالب بضمان مستقبل للفلسطينيين في وطنهم، وأضاف في مؤتمر صحفي خلال زيارة إلى كييف: “كنا دائما واضحين في اعتقادنا بأننا يجب أن نشهد وجود دولتين، يجب أن نرى الفلسطينيين يعيشون ويزدهرون في وطنهم في غزة والضفة الغربية”.

 

فرنسا ترفض تدخل دولة ثالثة في الصراع

واعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية أن التهجير القسري لسكان غزة “سيمثل هجوما على التطلعات المشروعة للفلسطينيين ويزعزع أمن المنطقة وسيكون انتهاكا خطيرا للقانون الدولي وعقبة رئيسة أمام حل الدولتين”، وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان في بيان إن مستقبل غزة يجب ألا يكون في إطار سيطرة دولة ثالثة بل في إطار دولة فلسطينية مستقبلية، وعلى غرار فرنسا، رفض وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس اقتراح الرئيس الأميركي، وقال للصحفيين: “أريد أن أكون واضحا للغاية في هذا الشأن، غزة هي أرض الفلسطينيين ويجب أن يبقوا فيها”، وأضاف: “غزة جزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية التي تدعمها إسبانيا ويجب عليها التعايش بما يضمن ازدهار دولة إسرائيل وأمنها”.

 

اسكتلندا تعتبر المقترح خطيرا وروسيا تدعو لدولتين

وأفاد المتحدث باسم “الكرملين” ديمتري بيسكوف بأن روسيا تعتقد أن التسوية في الشرق الأوسط ممكنة فقط على أساس حل الدولتين، وأضاف: “سمعنا كلام ترامب بشأن إعادة توطين سكان غزة، لكننا ننطلق من حقيقة أن الدول العربية لا تقبل هذه الفكرة”، وشدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على أن تهجير سكان غزة أمر لا تقبله تركيا ولا دول المنطقة، معتبرا المقترح “عبثيا والخوض فيه لا طائل منه”، ومن جانبها أعلنت الصين معارضتها التهجير القسري لسكان قطاع غزة، وأكدت دعمها حكم الفلسطينيين لفلسطين، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية لين جيان في مؤتمر صحفي إن بكين تأمل أن تعتبر كل الأطراف وقف إطلاق النار وإدارة القطاع بعد انتهاء الصراع فرصة لإعادة التسوية السياسية للقضية الفلسطينية لمسارها الصحيح استنادا إلى حل الدولتين، ومن جانبه انتقد رئيس الوزراء الاسكتلندي جون سويني خطة ترامب، وقال في منشور على منصة إكس: “بعد أشهر من العقاب الجماعي في غزة ومقتل أكثر من 40 ألف شخص، فإن أي مقترح لتهجير الفلسطينيين من منازلهم أمر غير مقبول وخطير”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خلفية تاريخية

من تغطية صحفية لقضية “دريفوس” إلى إنشاء “المنظمة الصهيونية العالمية”

هكذا انطلقت فكرة “أرض بلا شعب” و”شتات اليهود” نهاية القرن الـ19

في سنة 1894 أدين النقيب الفرنسي ألفريد دريفوس بتهمة الخيانة وإرسال ملفات سرية لألمانيا، فتم نفيه إلى “جزيرة الشيطان” ليتسبب في واحدة من أشهر القضايا في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة، بين مقتنع ببراءته ومعتقد بإذنابه، ويتسبب أيضا في ظهور فكرة واحدة من أكبر الدول الإستعمارية في العهد الحديث، ذلك أن المعتقدين بإذناب دريفوس كانوا يهتفون في باريس “المـوت للخونة” وأيضا “المـوت لليهود”، كونه يـهـوديُ الديانة، وهي الهتافات التي أثارت حفيظة تيودور هيرتزل الصحفي المجري الذين كان متواجدا هناك لتغطية القضية، وهو الذي نشأ في كنف عائلة يــهودية علمانية وكان يؤمن باندماج أبناء ديانته في مختلف المجتمعات التي يعيشون فيها وخاصة أوروبا، ليتحول بعد حادثة دريفوس إلى أكبر داعم لجمع الـيـهـود في وطن قومي واحد.

وفي الوقت الذي كان فيه دريفوس “المدان البريء” محل جدل كبير في فرنسا ليحصل على براءته سنة 1898 وينشر إيميل زولا بعدها بيومين فقط مقاله الشهير على صحيفة L’Aurore بعنوان “أنا أتهم”، !…J’accuse، الذي كان عبارة عن “رسالة موجهة لـ فيليكس فور رئيس الجمهورية الفرنسية” ويشرح فيه زولا أسباب الخطأ القضائي، هوية الخائن الحقيقي وتواطؤ السلطات العامة الفرنسية لحمايته، كان هيرتزل قد تجاوز القضية تماما ويعمل على تجسيد حلمه مرتكزا على مظلومية أبناء قوميته، حيث أسس سنة 1897 ما يُعرف بـ”المنظمة الصهـيونيـة العالمية” ونشر قبلها بعام كتابه “دولة اليَهُود” الذي شدّد فيه على أن ضرورة إقامة كيان للـيهـود بصفتهم قومية وليسوا فقط أتباع ديانة سماوية، وناقش فكرة مغادرة أبناء قوميته إلى الأرجنتين أو على نحو مفضل إلى “فلسطين”.

ولتأسيس دولة في أرض ليست أرضك عبر مفهوم “العالم يكرهنا ويجب أن نتحد”، بدأ هيرتزل في الترويج لفكرة “معاداة السامية” معتبرا أنها الفكرة الوحيدة التي ستشكل حافزا لإقناع بني قومه الذين رفض الكثير منهم مغادرة الدول التي كانوا يعيشون فيها، كما أن الحاخامات اليــهود رفضوا الفكرة واعتبروها “تحديا للإرادة الإلهية”، ولإقناع كل هؤلاء كان هيتزل بحاجة إلى “الدين”، فلجأ لاستعمال قصة “شتات اليهـود” المذكورة في التوراة لإقناع كل الرافضين بضرورة العودة إلى أرضهم المقدسة كواجب ديني وليس فكرة سياسية، ومن هنا تحديدا حدث الخلط بين اليـهودية كديانة والصــهيونية كمشروع سياسي استعماري توسعي في أرض فلسطين التي كانت موطنا لأغلبية مسلمة، قبل أن يجد مشروع هيرتزل مصلحته في طموحات بريطانيا الإستعمارية ويتجسد فعليا في وعد “بلفور” الذي كان للمفارقة معاديا لـلساميـة ويعارض هجرة اليهـود إلى شرق أوروبا خوفا من انتقالهم إلى بريطانيا، ولذلك دعم فكرة “إنشاء وطن قومي” لهم بعيدا عن أوروبا، وهو ما بدأ تحقيقه فعلا بانتداب بريطانيا لفلسطين وفتح أبواب الهجرات اليـهودية على مصرعيها، ومع تزايد الهجرات ارتفع معدل الاستيطان وظهرت هناك مجتمعات يـهوديـة مغلقة، لتصل نسبتهم سنة 1944 إلى 30.4%، وبقية القصة معروفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.