إسلاميات

تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ سورة الأحزاب الآيتين 70 ـ 71

نعيش في هذه الدنيا ونملؤها بالمعاصي والسيئات، ونملؤها نحن وغيرنا بالخيرات والمنافع والطيبات، فهذا يقوم على شؤون الدنيا، فيحسن عمارتها، وذاك يقوم بشؤون الآخرة فيحسن لقاء ربه سبحانه وتعالى، والمؤمن بين الاثنين يعمل في الدنيا، ويتحمل ما فيها، ويعمل للآخرة، فقد جمع المؤمن بين خيري الدارين بأمر الله سبحانه وتعالى، لكن المؤمن لا راحة له في الدنيا بما فيها من بلاء وشقاء، ومن سوء قضاء، ومن شماتة الأعداء، الدنيا ممتلئة بمثل هذه الأمور ، فقد «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءالقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ».

وفي حديث آخر أمرنا بذلك فقال: “تعوذوا بالله من جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ”.

فعلمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا داهمنا البلاء: اللهم إنا نعوذ بك من “جَهْدِ الْبَلَاءِ”… ومنه قلة المال، وكثرة العيال، – قلة المال وكثرة الديون، قلة المال وكثرة الحاجة إليه، نوع من جهد البلاء – وجهد البلاء الحال الشاقة، – يقع فيها الإنسان مشقة كثيرة..

وجهد البلاء كل ما أصاب المرء من شدةِ مشقة، ومالا طاقة له بحمله، ولا يقدر على دفعه، كمن وقع عليه بلاء، ولا يقوى على دفعه، هذا جهد بلاء…

وإنما تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك – من جهد البلاء تعليما لأمته،.. واحتمال أن يكون استعاذ بربه من وقوع ذلك بأمته، ويؤيده رواية مسدد المذكورة بصيغة الأمر، [استعيذوا – بالله]…، وتعوذوا بالله من جهد البلاء. -.

والبلاء نوعان؛ بلاء جسمي كالأمراض، وبلاء ذكري معنوي؛ بأن يُبتلى الإنسان بمن يتسلّط عليه بلسانه، – فيقع في عرضه – فينشر معايبه، ويخفي محاسنه، – فإذا ابتلي بعض الناس بذلك فهذه مصيبة، يمشي في الشارع والكل يشير إليه – وما أشبه ذلك، هذا من البلاء الذي يشق على الإنسان، وربما يكون مشقةُ هذا – البلاء – على الإنسان – بأن يقع الناس في عرضه – أبلغَ من مشقة جهد البدن، فيتعوذ الإنسان بالله من جهد البلاء.

أما البلاء البدني فأمره ظاهر؛ أمراض في الأعضاء، أوجاع في البطن، في الصدر، في الرأس، في الرقبة، في أي مكان – من أعضاء الإنسان – هذا من البلاء.

وربما يكون أيضا من البلاء قسم ثالث، وهو ما يبتلي الله به العبد من المصائب العظيمة الكبيرة، فمن الناس من يعبد الله على حرف، – فهو يعبد الله، لكن إذا جاء أي أمر ربما يترك هذه العبادة، وينكث على عقبيه، نسأل الله السلامة – فإن أصابه خير اطمأن به، – ويبقى في عبادته -، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه، – خسر الدنيا والآخرة – وإذا أصابه خير وراحة وطمأنينة اطمأن، وإذا أصابه فتنة دينية أو دنيوية انقلب على وجهه، تجد إيمانه مثلا متزعزع، أدنى شبهة ترد عليه تصرفه عن الحق، تجده لا يصبر، أدنى بلاء يصيبه يصرفه عن الحق، فيتسخط على قضاء الله وقدره.

ومن درك الشقاء، – الذي أمرنا أن نستعيذ بالله منه – أي ومن أن يدركك الشقاء، والشقاء ضد السعادة، والسعادة سببها العمل الصالح، والشقاء سببه العمل السيئ، فإذا استعذت بالله من درك الشقاء، فهذا يتضمن الدعاء بألا تعمل عمل الأشقياء.

واللهم إنا نعوذ بك من “سُوءِ القَضَاءِ”، قال سبحانه: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [يونس: 11]، بعض الناس يقع عليه العذاب، أو سوءا من قضاء الله وقدره وبالنسبة لله سبحانه لا سوء عنده، لكن بالنسبة للخلق فقد يكرهون ما يقع عليهم، وما يصيبهم من آلام أو أوجاع في أموال وما شابه ذلك.

ومن سوء القضاء، سوء القضاء يحتمل معنيين؛ المعنى الأول: – اللهم إني أعوذ بك – أن أقضي قضاء سيئا، والمعنى الثاني: أن الله يقضي على الإنسان قضاء يسوءه، والقضاء يعني الحكم، فالإنسان ربما يحكم بالهوى، ويتعجل الأمور، ولا يتأنى ويضطرب، هذا سوء قضاء، – قد يحكم على غيره عندما يأتيه خبر عنه فيحكم عليه بالظن أو التهمة أو ما شابه، فهذا من سوء القضاء – كذلك القضاء من الله – سبحانه وتعالى -؛ قد يقضي الله عز وجل على الإنسان قضاء يسوؤه ويحزنه، فتستعيذ بالله عز وجل من سوء القضاء.

واللهم إنا نعوذ بك من “شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ” فالإنسان إذا وقع عليه جهد البلاء، أو درك الشقاء، أو سوء القضاء، تشمت به الأعداء، شمتوا به، فنعوذ بالله من شماتة الأعداء، وهذه ذكرها الله سبحانه وتعالى في قصة موسى، الشماتة فقال سبحانه: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ﴾ أخوه هارون، فماذا قال له حتى يتحنَّنُه ويذكره بأمه؟ ﴿ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 150].

وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ هو أن يفرح العدوّ ببليّةٍ تنزل بعدوّه،.. قَالَ ابن بطال: شماته الأعداء: ما ينكأ القلب، ويبلغ منْ النفس أشد مبلغ، فشماتة عدوك صعبة جدا، فاستعذ بالله من شماتة الأعداء.

فؤاد بن يوسف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.