مجتمع

تعرّف على أصول التقويم الأمازيغي

"الأوراس نيوز" تأخذكم في رحلة تاريخية ينّار 2975..

يستقبل الأمازيغ بعد أيام قليلة رأس السنة الجديدة التي يتم الاحتفال بها في الجزائر في عيد وعطلة رسميين، وهي المناسبة التي تكون في العادة سببا لفتح نقاشات تاريخية حول تاريخ شمال إفريقيا وسكانها، ناهيك عن الاحتفال بهذا اليوم لدى الشعب الأمازيغي منذ القدم ثم ضبط التقويم في رزنامة اعتمدتها الدولة الجزائرية رسميا قبل حوالي 7 سنوات، ويتساءل الكثير من الناس عن أصول التقويم الأمازيغي وخاصة الرقم 2975 الذي يُشير إلى السنة الجديدة، وهو ما سيتم شرحه في هذا المقال بعد الإشارة إلى أن الكثير من شعوب العالم تملك تقاويم خاصة بها بغض النظر عن التقويم الأشهر والمُتعامل به إداريا في كل العالم، ويتعلق الأمر بالتقويم الغريغوري أو ما يُعرف بـ “الميلادي”.

وفي قائمة التقاويم هناك تقاويم شمسية مثل التقويم الميلادي واليولياني والأمازيغي وأخرى قمرية كالتقويم الهجري وأخرى شمسية-قمرية كالتقويم العبري والصيني والياباني، وعلى غرار كل التقاويم المعروفة كالميلادي أو الهجري، يتم تحديد حدث مُعين ليكون السنة صفر لذلك التقويم، ففي التقويم الغريغوري (الميلادي) حددت الكنيسة السنة التي ولد فيها المسيح لتكون السنة الأولى للتقويم بدلا من سنة تأسيس مدينة روما مثلما كان قبل ذلك، فيما كانت هجرة الرسول الحدث البارز الذي اختاره المسلمون ليكون السنة الأولى من التقويم الهجري، وعلى هذا الأساس قرّر الراحل عمار نڨادي ابن مدينة مروانة بباتنة أثناء تصميمه لأول تقويم أمازيغي سنة 1980 بناءً على التقويم الفلاحي المُتداول قبل قرون لدى شعوب شمال إفريقيا، واختار اعتلاء الملك الأمازيغي شيشناق للعرش الملكي الفرعوني سنة 950 قبل الميلاد ليكون السنة الأولى لهذا التقويم، وبجمع 950 قبل الميلان مع 2025 ميلادية نجد أمامنا الرقم الحالي للسنة الأمازيغية الجديدة وهو 2975. ويُعتبر التقويم الأمازيغي واحدا من أبرز التقاويم المتبقية من التقويم اليولياني الشهير، والذي قام البابا غريغوريوس الثالث عشر باستبداله بتقويم أكثر دقة (التقويم الميلادي الحالي)، لأسباب دينية بحتة، فبناءً على نصيحة الفلكي ألوسيوس ليليوس ثم كريستوفر كلافيوس، أمر البابا غريغوريوس بضبط التقويم الميلادي الحالي وذلك بإجراء تعديلات عن التقويم اليولياني، ليتم اعتماده رسميا في العام 1582 حين أصدر غريغوريوس أمرا يقضي بأن اليوم الموالي لـ 4 أكتوبر 1582 هو يوم 15 أكتوبر وليس 5، ويعتبر هذا التقويم أكثر دقة من التقويم اليولياني، أي أن السنة فيه تُقدر بـ 365 يومًا و5 ساعات و49 دقيقة بدلا من 365 يوما و6 ساعات في التقويم اليولياني، حيث أن فارق الـ 11 دقيقة سيصبح يوما كاملا في كل 131 سنة و3 أيام كل 393 سنة وهكذا، ولذلك أمر البابا بضبط التقويم خوفا من انتقال عيد الفصح إلى فصل آخر غير الربيع، قبل هذا التقويم كان العالم يتعامل بالتقويم اليولياني نسبة إلى يوليوسقيصر الذي فرضه سنة 46 قبل الميلاد بعد مساعدة كبيرة من الفلكي سوسيجيني الإسكندراني (وهو التقويم الذي تبناه الفلاحون الأمازيغ)، وإلى اليوم لا تزال الكنيسة الشرقية تتعامل بهذا التقويم بشكل رسمي ولذلك تحتفل يوم 7 جانفي (في التقويم الغريغوري) بعيد الميلاد لأنه يُصادف 25 ديسمبر في التقويم اليولياني. وعلى غرار التقويم الغريغوري الأكثر دقة، كان التقويم اليولياني أكثر دقة من التقويم الروماني الأقدم، فاليولياني جعل السنة مكونة من 365.25 يوما (أي 365 يوما وربع اليوم)، وبجمع الربع 4 مرات نصل إلى سنة كبيسة فيها يوم إضافي (29 فيفري)، فيما كان التقويم الروماني قبل ذلك مكونا من 12 شهرا على 354 يوما، ثم يتم إدخال شهر كبيس في السنة الموالية ومدته 22 يوما ثم 23 يوما، ورغم أن يوليوس قيصر استبدل التقويم الروماني بتقويم جديد سُمي على اسمه، إلا أن أسماء العديد من الأشهر في التقويم الأقدم بقيت على حالها، وعلى رأسها اسم الشهر الأول Ianuarius أو “يناير” وسُمي بهذا الاسم نسبة للإله “جانوس” في الأساطير الرومانية والذي يرمز إلى البدايات أو التجديد، ومن اشتق الاسم الشهير للأشهر الميلادية “جانفي”، ويقول الكاتب الزراعي “كولوميلا” أن المزارعين كانوا متدينين أكثر من غيرهم وكانوا يمتنعون عن العمل في الأرض حتى تاريخ 13 يناير (جانفي)، غير أنهم كانوا يقيمون احتفالات وطقوسا في الأول من يناير إيذانا بدخول مرحلة جديدة للسنة.

وإلى جانب عاداتهم السنوية المعروفة، تبنى المزارعون الأمازيغي التقويم اليولياني الذي يتناسب وأرقامهم، ليهتم الباحث الأوراسي عمار نڨادي بالموضوع ويُصمم أول رزنامة للتقويم الأمازيغي، قبل أن يختار حدث اعتلاء شيشناق للعرش الملكي الفرعوني ليكون أول سنة في تقويمه، فصادف أول تقويم صممه سنة 1980 العام 2930 في التاريخ الأمازيغي، وكان شيشناق قد أسس الأسرة الفرعونية الـ 22 بعد سقوط بسوسنس الثاني آخر فراعنة العائلة الحادية والعشرين، وجاء اختيار الراحل نڨادي لحدث اعتلاء شيشناق للعرش الفرعوني كونه أحد أقدم الأحداث المهمة في تاريخ الأمازيغ، إذ يرجع إلى العام 950 قبل الميلاد، وهو الوقت الذي كانت فيه قبائل “المشواش” الأمازيغية التي ينتمي إليها “شيشنق” تُشكل كتلة ديموغرافية كبيرة جدا في ليبيا (كل شمال إفريقيا حاليا) ومصر وتسيطر كُليا على الجيش الفرعوني ما أدى إلى انتقال المُلك إليها بسلاسة رغم مُحاولات كثيرة منذ أيام الأسرتين التاسعة عشر والعشرين لصد هذه العائلة عن السلطة الفرعونية باعتبارها عائلة أجنبية قادمة من الغرب، يُذكر أن الملك الأمازيغي شيشناق نجح في توحيد مصر وتخليصها من اضطرابات كثيرة في ذلك الوقت، ليحتل فيما بعد فلسطين، ويقال عنه أنه استولى على كنوز هيكل النبي سليمان بالقدس، وهي الحادثة المؤرخة في التوراة و تُعد من أول الأحداث المُوثقة حول شخصية أمازيغية في التاريخ.

محمد بلقاسم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.