
على نقيض ما تم الترويج له بعد فوزه مباشرة في انتخابات نوفمبر الماضي دشن الرئيس العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب عهدته على وقع صفقة وقف إطلاق النار في غزة، وينوي فريقه تمديد مشروع السلام باتجاه الحرب الروسية الأوكرانية، تكريسا لأول عبارة أدلى بها دونالد ترامب في أعقاب فوزه الساحق في رئاسيات نوفمبر الماضي “جئت لأوقف الحروب لا لأبدأها..”
عبد الرحمان شايبي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبقت رسائل نثر السلام عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي استلم مهامه رسميا عصر أمس، وعلى صورة “نادرة” بلقائه الرئيس المنصرف جو بايدن الذي من المفارقات لم يلتقيه نفس الرئيس الجديد عندما أطاح الديمقراطيون بالجمهوريين في استحقاق 2020 الماضي، وما انجر عن ذلك من انقسامات حادة هددت وجود الديمقراطية في عقر دارها بعدما شهدت العاصمة واشنطن “شيئا” من مظاهر “الربيع الأمريكي” على وقع احتلال مبنى الكابيتول من أنصار الرئيس العائد اليوم.
وشكلت صورة لقاء الرئيس المنصرف بالرئيس العائد الحدث الإعلامي الأبرز في مراسيم تنصيب ترامب مثلما أعطت ذات الصورة نبذة عن ملامح المستقبل الأمريكي الذي يكون قد اختار “المصالحة” على استمرار القطيعة حفاظا على قوة الولايات المتحدة وموقعها العالمي، أو ربما استعدادا لمراحل “أسوأ” محتملة لذلك أراد الأمريكيون الانسجام مبكرا من أجل مواجهة “القادم”.
ومثّل وقف العدوان في قطاع غزة بادرة تصالح عالمي يرجع فيها القرار إلى رغبة الرئيس الأمريكي الجديد الذي دعا صراحة إلى طي الملف أو تخفيض حدة الحرب الدائرة هناك في القطاع قبل تدوير مفاتيح الدخول إلى مكتبه بالبيت الأبيض وهو ما تم تجسيده حرفيا حتى الآن في انتظار التحدي الأكبر حول ما إذا كان ترامب سيرغم الكيان على الاستمرار في تطبيق مراحل الصفقة والوصول لاحقا إلى حل الدولتين أم أن البيت الأبيض بلون الجمهوريين سيستعيد إغماض عينيه كما فعله سلفهم الديمقراطيون إزاء كل ما جرى من إبادة وتقتيل في غزة والضفة، خاصة وأن الجمهوريين من يمثلون “السند” الفعلي للكيان.
ودون استباق الأحداث استبقت إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب فتح الحديث في نقل فرص السلام إلى أقصى شمال أوروبا من أجل إسكات صوت البنادق الدائر بين روسيا وأوكرانيا والمستمر للسنة الثالثة تواليا دون أن تلوح في الأفق أي نهاية، أو تسوية لحرب تهدد العالم بأسره اذا ما عرجت على توظيف أسلحة غير تقليدية في حسمها على الأرض.
مع ذلك لا يبدو الرئيس الأمريكي العائد دونالد ترامب قد أضاف إلى مجموعة هواياته المفضلة إطلاق أسراب الحمام في الهواء الطلق، فقد سبق له التعبير أياما قبل احتفالية التنصيب عن رغبته في ضم جارته كندا، وشراء جزيرة غرينلاند من الحكومة الدنماركية، مثلما عبّر أيضا عن عزمه في إنشاء قبّة حديدية خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي إشارة تناولها المتابعون على أن القادم لا يبشر بخير وأن أمريكا تسارع في تحصين نفسها من متغيرات دولية محتملة قد تجنح بالعالم إلى الدخول في حرب عالمية ثالثة نووية.
ويقر متابعون أيا تكن أجندة الرئيس دونالد ترامب المستقبلية، فإن الخاسر الأكبر في العودة الحالية هو الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمته فرنسا على وجه التحديد، خاصة في وجود نائب رئيس يتقاسم نفس أفكار ونظرة ترامب بخلاف تجربة نائب الرئيس السابق “بنس” والذي تخلى عن رئيسه أيام الأزمة السياسية التي ضربت الولايات المتحدة شهر نوفمبر 2020.
وتعيد عودة ترامب إلى سدة الحكم مجددا الحرب الباردة مع الغريم التقليدي الصين، حيث من المتوقع أن تعرف الحرب التجارية بين العملاقين الاقتصاديين درجات عالية من الحرارة بخلاف الفتور والهدوء الذي شابها طيلة عهد الرئيس المغادر بايدن ونائبته.
ويجتهد متابعون على جمع كل معلومة أو إشارة تخص العلاقات الأمريكية بالقارة الإفريقية سيما في ظل التحولات التي شهدتها القارة السمراء، حيث تشكل ملفات الأزمة في ليبيا وفي السودان وفي دول الساحل عناوين عريضة للسياسة الخارجية الأمريكية المرتقبة والتي تحاول الاستفادة من متغيرات المنطقة وتفادي تكرار التجربة الفرنسية على وجه التحديد، مع إبقاء العين مفتوحة على تغلغل روسيا والصين والأتراك إلى العمق القاري.
ويرشح ملاحظون أن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية ستنجذب لموازين القوى الأمنية في القارة أكثر من أي عامل آخر، ما يرجح انتقال علاقات الجزائر بالولايات المتحدة الأمريكية إلى مستوى عالي نتيجة ما تمثله الأولى من قوة إقليمية في المنطقة، وما المؤتمر الدولي الذي بصدد الانعقاد في الأمم المتحدة بدعوة وإشراف من الجزائر يوما فقط من تنصيب ترامب سوى بداية طريق لعلاقات أمنية أكثر متانة وقوة ومن المرجح أن تنعكس على بعث ونقل التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين إلى مستويات أعلى.