
باتت اللغة العربية واحدة من اللغات الأكثر انتشارا على المستوى العالمي، فبالإضافة لكونها اللغة الرسمية لحوالي 63 بلدا، وبلوغ الناطقين بها يناهز 450 مليون شخص؛ فإن حرفها العربي كان وسيلة لكتابة 146 لغة عالميا، بالإضافة إلى كونها المؤرخة لكل الديانات السماوية، غير أن ما شهدته من انتكاسات في السنوات الماضية حملها على النأي جانبها أمام زحف بقية اللغات العالمية خاصة مع المنحى التكنولوجي والعلمي الذي سايرته اللغات الأجنبية والتي ساهمت في انتشارها وتوسعها نظرا لكونها لغة البحث الأكثر طواعية وانتشارا، ما جعل نسبة المحتوى المشاع باللغة العربية على شبكة الانترنت، وفقا للدراسات العالمية، ينحصر إلى أقل من 3%، وهو ما يعيق عمليات البحث بهذه اللغة والإفادة بها للمتكلمين بها ولغيرهم على حد سواء.
وهو ما استدعى استفاقة وحركية لمختلف الهيئات الحاملة للواء اللغة العربية للنهوض بها وخدمتها تقنيا مع الحفاظ على رقيها وتعاليها على مستوى القواعد والمقامات لغويا، خاصة وأن شعار الاحتفال باليوم العالمي للغة الضاد هذا العام المتزامن و18 ديسمبر تيمنا بإدراجها ضمن اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، هو “اللغة العربية والذكاء الاصطناعي.. تحفيز الابتكار وصون التراث ثقافي”، وهو ما حمل “الأوراس نيوز” إلى تسليط الضوء على مبادرات سعى القائمون عليها إلى تعزيز مكانة اللغة العربية ومحتواها وطنيا وعربيا وعالميا:
مخرجات المجلس الأعلى للغة العربية
تمكن المجلس الأعلى للغة العربية بالتعاون ما بين القائمين عليه والمنضوين تحت لوائه من دكاترة وباحثين، من تقديم عدة منجزات تصب في صالح اللغة العربية خاصة في السنوات الأخيرة، أين أظهرت مخرجات نوعية متميزة عملت على حمل لواء اللغة العربية والدفاع عن مقوماتها من جهة ومواكبة ركب التنافس التكنولوجي والرقمي المتصاعد.
شريحة “المعجم التاريخي للغة العربية”
تمكنت هذه الهيأة الجزائرية النشطة والمتميزة بقاماتها من التماهي مع التقانة واستخدام الذكاء الاصطناعي للتمكن من صناعة شريحة “المعجم التاريخي للغة العربية”، والتي اعتبرها رئيس المجلس الدكتور صالح بلعيد عند نزوله ضيفا مؤخرا بجامعة باتنة1 ضمن فعاليات الملتقى الدولي حول “دور محركات البحث العربية في إثراء المحتوى الرقمي العربي” بـ “العمل القومي”، الذي مكن الدول العربية من حيازة معجمها التاريخي في ظرف 7 سنوات، بعد أن ظل “عالقا” ومُرجأ منذ عام 1932، مبينا أنه يعد أفضل المعاجم عالميا كونه اعتمد على التقنية والعمل الجماعي منذ 2017 في إخراجه للنور، ليتفوق زمنيا على بقية المعاجم التاريخية لمختلف الدول على غرار فرنسا التي دام إنجاز معجمها التاريخي 132 سنة، وانجلترا التي انتظرت لـ قرن من الزمن لتحقيق ذات المنجز، فيما ظلت تركيا تعمل على معجمها التاريخي لـ 93 سنة، ويضم المعجم التاريخي للغة العربية 127 مجلدا بحمولة 5 قناطير و43 كيلوغرام، بمشاركة 127 باحثا جزائريا بما يمثل 47% من صناعته، ويكفي استخدام شفرة القراءة السريعة للاطلاع على محتوياته الثرية.
رقمنة الرصيد اللغوي المدرسي عربيا
كما أقدم ذات المجلس بالتعاون مع دكاترة من 4 دول عربية، على رقمنة الرصيد اللغوي المدرسي عربيا فيها بالإعتماد على الذكاء الاصطناعي لإنجاز كتاب مدرسي مستوف لـ 21 مجالا بلغة عربية موحدة تجمع تلاميذ الجزائر وتونس والأردن الإمارات العربية المتحدة، وينبئ الكتاب الموحد والمرقمن بـ “بفتوحات لغوية” خاصة أنه سيكون وفقا للدكتور بلعيد، على مستوى وزارة التربية الوطنية كحل نهائي للمنظومة التعليمية ليضع حدا لفقر التعلم الذي تعيشه، وكذا “الهجنة اللغوية” المتفشية في أوساط التلاميذ تبعا لاستعمال “شُتات اللغة العربية” وغياب حسن التحكم فيها.
الموسوعة العربية الشاملة.. الخطوة القامة
وقد أعلن الرجل الأول بالمجلس الأعلى للغة العربية، عن الخطوة القادمة التي ينحى نحوها أعضاؤه والمتمثلة في “الموسوعة العربية الشاملة” والتي تشمل “4 مجالات عملاقة، وهي: العلوم الآداب الفنون الأعلام”، بالاعتماد على ذات الاستراتيجية المهنية من خلال “العمل الجماعي والتماهي مع الذكاء الاصطناعي”.
ربط الفلسفة باللغة العربية “تُهمة” وتحدِّيهما في إيصال الأفكار المحلية إلى الآخر
وعلى صعيد آخر؛ أكد الدكتور شروف محمد نائب رئيس مكتب الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية مكتب باتنة، ورئيس قسم الفلسفة بجامعة باتنة1، ضرورة احتلال اللغة العربية لمكانها الريادي في العالم تبعا لتاريخها الأصيل، وبالموازاة مع تعاقب الاحتفال اليوم العالمي للفلسفة واليوم العالمي للغة العربية، والتي أطل عليها قرار إدراج اللغة العربية في الاتحاد العالمي للجمعيات الفلسفية مؤخرا كاستجابة لمطالب متكررة من مختصين أغلبهم من الجزائر من جهة، وعن الإضافة التي ستقدمها هذه الخطوة للفلسفة وأبحاثها بالعربية من جهة أخرى؛ اعتبر الدكتور شروف ربط الفلسفة باللغة العربية “تهمة”، نظرا لحصرها اليوم في المباحث اللغوية، فالفلسفة بحسبه لها القدرة على إتاحة مكانة مميزة للكاتب أو الفيلسوف الناطق باللغة العربية على حد سواء، محفزا هؤلاء على التأليف باللغة العربية للرقي بالفلسفة، والتركيز على نقطة الترجمة خاصة من اللغة العربية إلى غيرها من اللغات التي تتيح جسورها التعرف على أعمالنا التي تسعى إلى معالجة المشاكل الإنسانية والعالمية التي يعاني منها العصر، وكذا تقصي خصوصية الأبحاث الفلسفية العميقة التي “تعالج أمهات المشاكل بأفكار وحجج مقنعة بما يتيح إيصال أفكار ومشاكل الجزائري والوطن العربي” المختلفة عن مشاكل وخصوصية وأفكار الآخر أوروبيا وغربيا وهو ما بين دور ومقام الفلسفة ثم اللغة في رفع هذا التحدي.
وهو ما يسمح للغة العربية بالندية أمام هذه التحديات المتزايدة ومجاراتها بثقة في ظل التحول الرقمي الذي لا يرحم فقراء العلم والذي يستوجب “فعلا عالميا للغة” بالاعتماد على التقنيات المعاصرة والخروج بمبتكرات دورية والعمل بها.
رحمة. م