
تجريم الاستعمار.. الرد الجزائري بعد 20 عاما على “قانون العار”
ماري لوبان تدعو للتصعيد وفرض عقوبات على الجزائر
بحلول الـ 23 من شهر فيفري لسنة 2005، صادق البرلمان الفرنسي على قانون وُصف هناك على أنه “يُروج للدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي للجزائر خصوصا وشمال إفريقيا بشكل عام”، وهو القانون الذي أثار ضجة كبيرة جدا في فرنسا والجزائر، حيث لقي محليا معارضة كبيرة جدا وخاصة من قبل الباحثين والمؤرخين المُدركين لجرائم الاستعمار باعتباره أمرا مُخجلا لا يجب أن يدرسه الأطفال في المدارس، ولأن المؤرخ لا يملك نظرة سطحية للتاريخ، فقد أصدر كلود ليوزو وجيل منصرون كتابا بعنوان “الاستعمار والتاريخ والقانون”، ويتحدثان فيه عن كون هذا القانون تحديا لحرية المؤرخ وللحقائق التاريخية، ومن الواضح أن قانونا مماثلا هو نتاج ضغوط لوبيات مختلفة من اليمين المتطرف وأبناء “الأقدام السود” الذين لم يهضموا إلى اليوم فكرة استقلال الجزائر.
وبعد 20 عاما بالتقريب من صدور هذا القانون، عادت الكثير من الأصوات الفرنسية لترتفع وتحاول الترويج لفكرة إيجابية الاستعمار وتأثيره الكبير على الحياة الاجتماعية الجزائرية، وهو ما أكدته ماري لوبان زعيمة اليمين المُتطرف حين قالت: “أستطيع أن أفهم أن الناس يريدون الحصول على الاستقلال، لكن أن نأتي ونقول إن الاستعمار بالنسبة للجزائر كان مأساة، فهذا ليس صحيحا”، لتُشير إلى ما وصفته بـ”مساهمة فرنسا اقتصاديا في الجزائر” وأيضا إلى “البنية التحتية”، وأمام هذا الوضع بعث ابراهيم بوغالي رئيس المجلس الشعبي الوطني بشكل رسمي النقاش حول إصدار “قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر”، وهو القانون ظهرت محاولاته الأولى في عام 2001 عندما تم اقتراح قانون مماثل في ثلاث مواد، نصت مادته الأولى على اعتبار العمليات العسكرية الفرنسية التي استهدفت الشعب الجزائري في حياته وسيادته وكرامته وحريته جرائم ضد الإنسانية، فيما نصت المادة الثانية على أن جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر لا تخضع لقاعدة التقادم، فيما تتحدث المادة الثالثة مطلب التعويضات عن الأضرار المادية والمعنوية الناجمة عن الجرائم المذكورة في المادة الأولى، كحق للدولة الجزائرية والجمعيات والأفراد.
وبعد صدور القانون الفرنسي لـ”تجميل صورة الاستعمار الغاشم” في فيفري 2005، خرج الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بتصريحات أكد فيها أن “هذا القانون يكشف عن عمى عقلي يكاد يبلغ الإنكار وتحريف التاريخ”، قبل أن يصفه بـ”قانون العار”، وبحلول العام 2006 “أُلغي القسم المثير للجدل من القانون الفرنسي بمرسوم، لكن الجزائر اشترطت اعتذارا رسميا عن الجرائم التي ارتكبت في ظل الاستعمار لتوقيع معاهدة صداقة، وبعدها بسنة، وتحديدا أثناء زيارته للجزائر، ندد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالنظام الاستعماري دون أن يُقدم اعتذارا رسميا، ودعا الجزائر وقتها إلى”التطلع إلى المستقبل”، غير أن الجزائر أدركت وقتها أن النظام الفرنسي كان رهينة لخطاب اليمين المُتطرف وكانت قد بدأت في 2006 مشروعا لطرح قانون تجريم الاستعمار مثلما أكد بوغالي في تصريحاته الأخيرة، وبحلول العام 2012 اعترف الرئيس الفرنسي فرونسوا هولاند في زيارة رسمية بـ”المعاناة التي ألحقها الاستعمار الفرنسي بالشعب الجزائري”، ليأتي الاعتراف بشكل صريح في 2017 عندما زار إيمانويل ماكرون الجزائري بصفته مرشحا للرئاسة وأقر بأن الاستعمار الفرنسي كان جريمة ضد الإنسانية ليدخل في صراع قوي وقتها مع اليمين المتطرف الفرنسي.
ورغم تلك التصريحات إلا أن ماكرون لم يقدم اعترافا ولا اعتذارا رسميا من باريس عن جرائم الاستعمار كما طالب الجزائريون، ليخرج وزير المجاهدين الطيب زيتوني بتصريحات في ديسمبر 2018 أكد فيه أن أربعة ملفات أساسية تخص الحقبة الاستعمارية هي مفتاح العلاقات الطبيعية بين البلدين مستقبلا وهي: الأرشيف وجماجم المقاومين والمفقودين في الحرب وتعويض ضحايا التجارب النووية، وكانت الخطوة الأبرز في ملف الاستعمار قد حدثت في الثالث من جويلية لسنة 2021 عندما استعادت الجزائر رفات 24 من قادة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي بعد 170 عاما على احتجازها بمتحف في باريس، غير أن الاستفزازات الفرنسية تواصلت بشكل كبير، إذ استقبل ماكرون بعدها بشهرين أحفاد “حركى” وأطلق تصريحات غير مسبوقة أثارت جدلا كبيرا، عندما ادّعى أنه “لا وجود لأمة جزائرية قبل استعمار بلده للجزائر”، وهي التصريحات التي ردت عليها الجزائر باستدعاء السفير الفرنسي وأيضا بزيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى روما وتحديدا إلى الزنزانة التي سُجن ومات فيها الملك الأمازيغي يوغرطة، كرد صريح على أن تاريخ هذه الأرض ليس وليد اليوم ولم يكن يوما مرتبطا بأي استعمار مهما كان.
ووسط الأخذ والرد، ورفض فرنسا تجريم الاستعمار بشكل مُطلق دون تراجع أو استفزازات، وفي ظل الأزمة الدبلوماسية الراهنة التي يعيشها البلدان، أكد إبراهيم بوغالي أن الوقت قد حان لتمرير مشروع قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر، حيث ندد في مقابلة مع قناة جزائرية بـ”الهجمات الفرنسية المتكررة التي ترفض التوقف والتي تهدف إلى تشويه صورة الجزائر”، وأضاف: “الآن نقول أن الوقت قد حان لوضع مشروع قانون تجريم الاستعمار على الطاولة ليأخذ مساره الطبيعي”، والأكيد أن تمرير قانون كهذا هو أمر مشروع للغاية لأنه يتحدث عن حقيقة تاريخية اعترفت بها حتى فرنسا في أكثر من مناسبة بغض النظر عن فكرة “الاعتراف الرسمي”، إلا أن ذلك سيثير حفيظ اليمين المتطرف الذي لا يزال يتوهم أن استعمارا إجراميا كالذي عاشته الجزائر هو أمر إيجابي، علما أن ماري لوبان زعيمة اليمين المُتطرف في فرنسا دعت الرئيس ماكرون لاتباع أسلوب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تعامله مع كولومبيا والقيام بنفس الإجراءات مع الجزائر إلى جانب فرض ما أسمه بـ”العقوبات الاقتصادية” وقالت في تصريحات لقناة “آل آس إي”: “لماذا نظهر مثل هذا الضعف مع الدول التي تبصق في وجوهنا صباحا وظهرا ومساء؟”.
محمد بلقاسم