الأورس بلوس

تاريخ يحتضر؟!

لكل مقام مقال

الآثار ليست مجرد أحجار لا معنى لها ومخلفات لأناس عاشوا قبلنا في الأزمان الغابرة وأنه لا معنى لها أمام أولويات تأمين الحاجات الضرورية للمواطنين لأنه لا معنى بلغة العامة أن تقدم (لقرد زهرة).. فهذه الرؤية القاصرة هي ما ساهمت في تهميش تاريخ الجزائر ومحاولة طمسه وتقزيم الموروثات التي تزخر بها الجزائر ضمن “ترسانة” أثرية لم يُنفض الغبار إلا على نسب ضئيلة منها لأسباب مجهولة لم يجد الاختصاصيون لها من تفسير سوى “اللامبالاة” التي قضت على روح الاكتشاف في الجزائر والمكتشفين، وخلّفت من ورائها مختصين في الآثار غرقوا في التنظير ومدرجات الجامعات والمعاهد ولا يلقون الدعم اللازم لفتح آفاق الحضارات من خلال تمويل عمليات التنقيب وإيلائها الاهتمام اللازم كما هو الحال في جميع دول العالم، حيث ما زالت المكتشفات الأثرية نشطة ضمن الحفريات والبحوث اليومية التي ترعاها معاهد التاريخ والدوائر المختصة ورغم تعاقب الأزمان ما تزال البشرية تنفض الغبار المتراكم عن الحضارات والآثار لتتحول إلى مادة للدراسة والمتابعة ووجهة للسياحة والتعريف بتاريخ الشعوب والأمم..

وفي وقت تحظى به الآثار في كثير من الدول بالرعاية والحماية والصيانة الدورية بتخصيص ميزانيات ومحاولات التعريف بها للأجيال، نجد أن الجزائر ساهمت بسياساتها المتعاقبة في تردي القطاع السياحي من خلال إهمال الآثار والتساهل في حمايتها في مواجهة غير عادلة مع أيادي الهدم والتخريب وطمس الذاكرة الوطنية، ولا مبرر للجهل تحت مسمى “التجاهل”..

وعلى الجهات المعنية خوض حملة تغيير عميقة للحد من الانتهاكات التي تطال الموروثات الحضارية بأنماطها وأشكالها المتعددة، علما أن سياسة الإهمال ترسّخت منذ الحقبة الاستعمارية الفرنسية في محاولات يائسة لسرقة التاريخ الجزائري وتشويهه والقضاء عليه كليا رغم تراكم الحضارات وتعاقبها بدءا من كون الجزائر “مهد الحضارات” في اكتشاف فريد بعين بوشريط عام 2018 أسس لنظرية جديدة أثبتت أن “شرق إفريقيا كانت مهد العصر الحجري قبل حوالي 2.6 مليون سنة” إلى ملوك الأمازيغ البربر والفينيقيين والرومان والمسلمين والعثمانيين وغير ذلك مما تشهد عليه المواقع الأثرية من أحقاب تاريخية وحضارات متنوعة ومتعددة تركت بصمتها التي لم تتزعزع رغم الإهمال والتخريب “الممنهج” لأكثرها دون وعي المواطنين والجهات المعنية بحمايتها وحتى المسؤولين الذين هم مُطالبون بالدرجة الأولى أن يساهموا في إنعاش الذاكرة الوطنية بالحفاظ على هذه الكنوز والارتقاء معها و بها نحو سياحة داخلية وخارجية وشهرة عالمية.

سماح خميلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.