العمود

بين الاعتزاز والابتزاز

وجب الكلام

إلى وقت قريب وليس ببعيد، وتحديدا قبل حوالي عقدين من الزمن، كان اختلاف الثقافات واللهجات في الجزائر عبارة عن “ميزة” تحسب للجزائر التي تعتبر فسيفساء طبيعية وعرقية وثقافية وحضارية، فكان الشاوي مثلا يتغنى بشاويته اعتزازا، نفس الشيء بالنسبة للنايلي والقبائلي والتارقي والشلحي والمزابي، وغيرهم، وكانت التظاهرات الثقافية فرصا لإظهار التنوع الجزائري في كل شيء، وبالتالي، فالأمر كان يتعلق باعتزاز كل جزائري “بتراثه وعاداته وتقاليده وحتى أصله” في إطار شامل هو “الجزائر”، ولم تكن اللغة في هذا تشكل عائقا ولا حرجا ولا مشكلة للملايين من الجزائريين، لكن، أقلية فقط من كانت تعمل في كل مرة على أن تحول “التنوع والاختلاف في الجزائر” من نقطة قوة إلى نقطة ضعف.

اليوم، وبمجرد أن أدلى  “مؤرخ جزائري” بتصريح يمكن القول أنه أساء تقدير المكان والزمان الذي أدلى به فيهما، دخل الآلاف من الجزائريين بما فيهم “كتاب، سياسيون، أساتذة جامعيون، صحفيون، ونشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي” والأغلبية منهم يعتبرون قادة رأي في المجتمع، دخلوا في “صراع” إن لم تتدخل السلطات العليا في البلاد لوضع حد له بتعليمات صارمة بوجوب غلق النقاش “المطروح” فإنه سيتحول إلى “أزمة” نحن في غنى عنها في ظل التهديدات الخارجية لبلادنا والتي تجلت ملامحها في أكثر من مرة.

ما نراه هو أن قضية “الهوية” في الجزائر قد تحولت من “قضية اعتزاز” إلى ورقة ابتزاز، فكلما عجزت قوى الشر عن “اختراق الجزائر” من الخارج، لجأت إلى ضربها من الداخل عن طريق أبنائها بإثارة “الصراع العرقي والإيديولوجي” بينهم، هذا الذي نراه نسخة عن “الصراع الذي تأجج” سنوات التسعينات باسم “الدين” والذي دخلت بسببه بلادنا في دوامة لم نصل إلى مخرج منها إلا بتحكيم “العقل” ووضع مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار.

اليوم نحن بحاجة لأن نكون جزائريين أكثر من كوننا عربا أو بربرا، ونحن بحاجة لأن يكون كل منا جزائريا أكثر من كونه “شاويا” أو “قبائليا” أو “نايليا” أو “مزابيا” أو “تارقيا”، فاعتزاز المرء بماضيه لا يعني بالضرورة الانسلاخ من حاضره بما تحقق فيه من مكاسب، وكوننا كسبنا الجزائر “وطنا” والإسلام دينا، فهذا يغنينا عن البحث والنبش في ماض “قد يفرقنا”، يشتتنا في وطننا باسم “الهوية” ويردنا عن إسلامنا “باسم الولاء للعرق”.

حمزه لعريبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

يرجى تعطيل مانع الإعلانات.